أسواق حمص تفتقد “عيد الحلاوة”.. وأهلها غائبون

فريق التحرير3 أبريل 2018آخر تحديث :
يحتفل الحماصنة بعيد الحلاوة في مثل هذه الأيام من كل عام ـ أرشيف

بسام الرحال ـ حمص ـ حرية برس:

يحتفل أهالي حمص بعيد الحلاوة في شهر نيسان من كل سنة، حيث يزورون موتاهم ويوزعون الحلاوة على الفقراء، وتتزين واجهات المحال بمخاريط ملونة باللونين الزهري والأبيض من حلاوة الخبزية التي تتربع على عرش الحلويات الشعبية الحمصية التي تشتهر بها حمص في عيد الحلاوة إلى جانب البشمينة والسمسمية والراحة بنوعيها السادة والمزينة بفستق العبيد بالإضافة إلى حلوى بلاط الجنة، ويعتبر عيد الحلاوة أو عيد الأموات كما يطلق عليه الحماصنة من الطقوس السنوية الهامة التي تعيشها مدينة حمص وتتفرد به عن بقية المحافظات السورية، حيث يتبارى الناس في شراء أنواع الحلوى إضافة إلى أن الجيران يتبادلون توزيع أنواع الحلوى فيما بينهم بهجة بعيد الحلاوة.

اليوم وبعد أن دمرت حمص لم تعد تجد أناساً يحيون هذا العيد منذ سنوات، فغاب الطقس الجميل واختفت الألوان الزاهية من أسواق المدينة، وغاب عنها السكان الذين هجرهم إجرام النظام، ليمر هذا اليوم حزيناً لم يبقى منه سوى بعض الذكريات التي لا تزال عالقة بأذهان الحماصنة، في حسرة على ما بات أقسى من غياب عيد الحلاوة، من فقدانهم لأبسط مقومات الحياة، حتى رغيف الخبز بات مفقودا أيضاٌ، ما يجعل مدينة حمص المتميزة بطرافة أهـلها وروح الدعابة المنتشرة بها تبكي ولا تجد من يواسيها في محنة أصابتها لا يعرف متى ستنتهي.

“كان يجب أن يقول الشاعر: لولا حمص ما كانت طليلة ولا زهت ببني العباس بغدان” يقول حسني الشيخ لـ”حرية برس” متفاخراٌ بمدينته، وهو من سكان باب دريب ونازح في إحدى مناطق ريف حمص الشمالي، ويكمل حديثة قائلاٌ: “ما زالت مدينتي حمص تحتفظ ببعض العادات والتقاليد التراثية القديمة، والتي تعود إلى عهد العثمانيين، ففي السابق عندما كنا في المدينة كان لعيد الحلاوة فرحة وطقوس خاصة لا بد أن نقوم بها، فنستيقظ باكراً ونذهب إلى السوق حيث ترى فيه كل أنواع الحلويات، وبأشكال هرمية كبيرة وألوان متعددة، نقوم بشراء ما نريد منها ونذهب بعدها لزيارة القبور، وعند الإنتهاء نوزع الحلوة على الفقراء الموجودين هناك وعلى الأطفال وكبار السن، ثم نأخذ ما تبقى إلى البيت وفي طريق عودتنا نقدمها لكل من نصادفه من الجيران وأصحاب البقاليات بحارتنا، ثم اجتمع مع أسرتي ونأكل الحلوة جميعا وسط جو من الحب والفرح والسرور”.

يضيف”حسني” بعد تنهيدة حارة خرجت من صدره والعبرات تخنقه قائلاٌ: “الآن لم يعد أهل حمص يفرحون بعيد الحلاوة، ولم يعد ينتظرونه كما السابق، هم الآن لا يجدون مأوى وطعام يطعمون به أطفالهم وقد شردوا خارج مدينتهم، فكيف لهم أن يصنعوا الحلوه؟، تلك الأيام كانت يعمها الفرح والسرور والطمأنينة لجميع السكان على اختلاف طوائفهم، أما الآن فحمص وأسواقها أصبحت سوداء مقفرة اختفت منها كل مظاهر الحياة، بسبب حرب شعواء بدأت ولا نعرف متى تعلن عن انتهائها، حرب لم تجلب إلا مزيدا من القتل والدمار والتهجير”.

تنفرد مدينة حمص بعيد الحلاوة عن باقي المحافظات السورية ـ أرشيف

تقول “أم إياد” وهي أمرآه مسنة تجاوزت الخمسين سنة من سكان حمص القديمة وتقيم في الحولة حالياً: “كانت النساء قديماً في هذا العيد يخرجن بعد ظهر الخميس إلى الجبانات لزيارة القبور وتوزيع ما حملن معهن من حلاوة على الفقراء، وكان الناس يخرجون للنزهة في أطراف المدينة، فتجلس النساء حول الزرع، أما الشباب فيقيمون بعض الألعاب ومنها (قبّة حمام الزيني) وتتم هذه اللعبة بأن يشكل عدد من الشباب دائرة وقد وضع كل منهم ذراعيه الممدوتين على كتفي الآخر، ثم يصعد فوقهم أشخاص آخرون على أكتافهم بالتشكيلة نفسها ويسيرون وهم يردّدون : “أبّة حمام الزيني أومي تكّحلي يا عيني وادللي يا عيني على شباب الزيني”، بالإضافة لألعاب أخرى تسمى بـ( أم الأشبار ) و (الزودة ) ( عالزنكو خلف) إلى أن ينتهي المشوار”.

تتابع “أم إياد” قائلة: “لا نعرف تاريخ عيد الحلاوة بالضبط لكن نعرف أنه يأتي في الربيع، وهو عيد معروف لدى سكان حمص منذ زمن بعيد، فكان عندما يأتي نيسان تبدأ الناس بالسؤال عن موعد عيد الحلاوة الذي يبدأ التحضير له قبل أسبوع وينتهي في اليوم التالي، كانت حلوه (الخبزية) أكثر طلباً من قبل الأولاد، بينما النساء تفضل (البشمينة) لكونها طرية، وهناك بعض الأنواع التي يتمُّ تغليفها ولكن غالبية الناس كانت تحب الذي تتم تعبئته مباشرة ودون تغليف، ومازال أهل حمص متمسكين بهذا التقليد لوقت ليس ببعيد، ولكن ظروف الحرب في سوريا عموماً وحمص خصوصاٌ جعلت هذا العيد يمر مرور الكرام”.

عرفت مدينة حمص بخفة دم أهلها ومزاجيتهم المرحة وبأعيادهم الخاصة التي تميزوا بها عن باقي المحافظات سابقاٌ، ثم ما لبثت أن سميت حمص عاصمة الثورة السورية لاحقاٌ، فكانت كجسد خالد بن الوليد المدفون فيها، لم يبقى موضع على أرضها إلا وفيه حكاية ألم، ومشهد حزين، يحكي قصة شعب أضحك العالم بأسره ولم يجد من يمسح عنه دموعه عندما بكى .!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل