إذا كنا على شفى أزمة جديدة في الشرق الأوسط تتمحور حول إيران، فإن الولايات المتحدة بوضع أضعف بكثير مما كانت عليه قبل تولّي ترامب.
تناول الكاتب والصحفي “باتريك كوكبيرن” في مقالته في صحيفة “إندبندنت” البريطانية قضية الحرب ما بين الولايات المتحدة وإيران. معتبراً أن تعيين الصقور المتشددين “مايك بومبيو” و”جون بولتون” في إدارة ترامب يجعل خيار الحرب ما بين الطرفين احتمالاً وارداً.
ويعلل “كوكبيرن” اعتقاده باقتراب الحرب بالحديث عن كلا الصقرين ومواقفهما الواضحة والحادة من إيران، حيث أن مستشار الأمن القومي الجديد “جون بولتون” قد دعا الولايات المتحدة للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، كما دعم تغيير النظام بشكل فوري في إيران. أما وزير الخارجية الجديد “مايك بومبيو” فقد قال بأن الاتفاق الذي قد ينسحب منه ترامب في 12 أيار/مايو يعد كارثة. وبحسب المراسلين الإسرائيليين أخبر ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامن نتنياهو” سابقاً بأنه لن يقبل بهذه الصفقة مع “تغييرات تجميلية” التي تدعو إليها الدول الأوربية، وإذا كان الأمر كذلك فإن الصفقة ميتة حقاً.
وأشار “كوكبيرن” إلى ما سببته المواجهات المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة من آثار خطيرة قد تتحول إلى موجات تعصف بجميع أنحاء الشرق الأوسط. فقد ارتفع سعر النفط الخام بسبب المخاوف من انقطاع الإمدادات من الخليج. وفي إيران انخفضت قيمة الريال الإيراني إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد أن تراجعت إلى الربع في الأشهر الستة الماضية. وفي العراق، اعترف رئيس الوزراء حيدر العبادي بأن خوفه الأعظم هو أن تكون المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في العراق.
وأوضح الكاتب وجه الشبه الخطير ما بين نهج الصقور اليوم ونهج الرئيس السابق جورج بوش قبل غزو العراق في عام 2003، حيث أنه في كلا القضيتين كان أولئك الذين يدعون لاستخدام القوة المسلحة ليس لديهم إلمام كبير بما هم مقدمون عليه. مشيراً إلى الحل الذي اقترحه بومبيو حول المسألة الإيرانية عندما كان في الكونغرس، الذي اقتضى بحسب التقارير “أقل من 2000 طلعة جوية لتدمير القدرة النووية الإيرانية”.
وأكد الكاتب على أنه برغم قلة المتفائلين في واشنطن في الأسابيع الأخيرة، إلا أنهم يرفضون هذا الخطاب العداوني. واستطرد موضحاً خطورة هذا الخطاب الذي مهما كان ترامب ومساعدوه يعتقدون أنهم يفعلون، إلا أن خطابهم يترتب عليه عواقب. فإنه يتعيّن على الحكومات أن تأخذ هذه التهديدات على محمل الجد وتتخذ تدابير مضادة لمواجهتها في حالة وقوع الأسوأ. فعلى سبيل المثال، في أعقاب سقوط نظام صدام حسين عام 2003، أعلن المحافظون الجدد في الولايات المتحدة بأن “بغداد اليوم، وغداً طهران ودمشق”. وكانت هذه الشعارات كافية لضمان قيام الحكومتين السورية والإيرانية بكل ما في وسعهما لضمان أن الولايات المتحدة لا يمكنها البقاء في العراق.
ويشرح الكاتب ضعف الولايات المتحدة اليوم ويُشير إلى أمثلة على أخطائها، مؤكداً أنه إذا كنا على شفى أزمة جديدة في الشرق الأوسط تتمحور حول إيران، فإن الولايات المتحدة في وضع أضعف بكثير مما كانت عليه قبل تولي ترامب الحكم، ولم يعد بإمكانها السيطرة على قواعد اللعبة كما فعلت سابقاً. فعلى سبيل المثال، لم تكن زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على مدار العام الماضي من أجل قضية إيران، بل من أجل قطر. وكان جُل ما حققه ترامب هو تقسيم وكسر الجبهة الخليجية الموحدة سابقاً ضد إيران.
وفي سوء تقدير آخر من قبل الولايات المتحدة في كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلن وزير الخارجية المعتدل ريكس تيلرسون أن الولايات المتحدة ستبقي على قواتها في سوريا بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأنها تعتزم الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد والقضاء على النفوذ الإيراني. وكان هذا الطموح خيالياً إلى حد كبير، إلا أن ردة الفعل الروسية والتركية كانت حقيقية. حيث قامت القوات التركية بالدخول إلى الشمال السوري بإذن روسي عقب أربعة أيام من تصريحات تيلرسون، واستطاعت في غضون شهرين السيطرة على جيب عفرين الذي يقطنه الأكراد الذين يشكلون الحليف الوحيد للولايات المتحدة في سوريا. ويأمل الأكراد الآن بشكل يائس ألا تتخلى عنهم الولايات المتحدة في حالة وقوع هجوم عسكري تركي على الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا.
وذكر الكاتب زيارته إلى مناطق سيطرة الأكراد في سوريا في وقت سابق من هذا الشهر، مما جعله يتساءل عما ستفعله الولايات المتحدة في حال قررت تركيا المضي قدماً؟ فمن جهة إن المدن الكردية الرئيسية تقع على الحدود التركية وهي ضعيفة جداً، ومن جهة أخرى لا تمتلك الولايات المتحدة سوى 2000 جندي، وتعتمد فعاليتهم على قدرة الولايات المتحدة على توجيه ضربات جوية مدمرة. ويعود الكاتب للتساؤل، أن هذا خيار قوي، ولكن هل ستلجأ إليه الولايات المتحدة فعلاً للدفاع عن الأكراد ضد تركيا حليفتها في الناتو؟
واعتبر الكاتب أن ضعف عزيمة أوباما ومهاراته التفاوضية السيئة بحسب ما يدّعي ترامب، كانت في الواقع محاولة لمطابقة إمكانات الولايات المتحدة مع مصالحها، وتجنب التورط في حروب لا يمكن الفوز بها. لم يكن هذا مفهوماً على الإطلاق من قبل مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن التي ظلت عالقة في مرحلة ما قبل 2003 عندما كانت قوة الولايات المتحدة في أوج قوتها في السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي.
ويرى الكاتب أنه لربما قد تملك الذعر مؤسسة الولايات المتحدة وحلفاءها من انسحاب ترامب من الصفقة النووية، ولكن يبدو أنه سيفعل أكثر من ذلك. ويُرجح الكاتب أنه قد يتم إعادة فرض العقوبات على إيران، لكن هذه ليست أبداً البطاقة الرابحة التي يفكر فيها أولئك الذين يفرضونها، بغض النظر عن المعاناة التي يتعرض لها عموم السكان. ويعتقد أن العقوبات التي يفرضها ترامب من جانب واحد قد تلحق الضرر بإيران، لكنها ستعزل الولايات المتحدة أيضاً.
وخلص كوكبيرن في نهاية مقالته إلى أنه مهما كانت نتيجة المواجهات بين الولايات المتحدة وإيران، فإن ذلك لن يجعل أمريكا قوة عظمى مرة أخرى. معتبراً أن الممر الشمالي للشرق الأوسط (جنوب تركيا وشمال السعودية) مقبرة للتدخل الأمريكي. كما حصل في لبنان في الثمانينيات عندما تم تفجير السفارة الأمريكية و 242 من مشاة البحرية الأمريكية. وفي العراق بين عامي 2003 و 2011 ، وفي سوريا منذ 2011 وحتى يومنا هذا. ويعتقد الكاتب أن إلقاء الولايات المتحدة باللوم على إيران في هذه الإخفاقات يحمل بعض المصداقية، لكن السبب الحقيقي وراء ذلك هو أن الولايات المتحدة تقاتل طائفة بدلاً من دولة واحدة. حيث أن جميع هذه الدول التي فشلت فيها الولايات المتحدة إما أنها تمتلك غالبية شيعية كما هو الحال في إيران والعراق، أو تعددية كما في لبنان، أو أقلية حاكمة كما في سوريا. وباعتبار إيران الدولة الشيعية الأقوى، فإنها تتمتع بأفضلية فائقة في محاربة أعدائها في مثل هذه المناطق الدينية المتعاطفة.
وختم كوكبيرن بقوله أن التشكيلة الجديدة في واشنطن توصف بأنها “مجلس حرب” وقد يتبيّن أنها مجرد حكومة. لكن بالنظر إلى الرجال الجاهلين المتغطرسين مثل بولتون وبومبيو، فإنه من الصعب تجنب الشعور بأن الأمر سينتهي بكارثة.
Sorry Comments are closed