بصوت متعب ومنهك كان حديثنا مع الفنان جهاد عبده وزوجته الذين أعلنا إضرابهما عن الطعام في 14 مارس تضامناً مع ما يجري في سوريا، وبدت أجساد الفنانين منهكة بعد سبعة أيام من الإضراب في محاولة منهما للفت نظر العالم على أن ما يجري في سوريا هو حرب نظام ديكتاتوري على شعبه وليست حرباً على الإرهاب.
شارك الفنان جهاد عبده فيديو على صفحته واصفاً ما يجري في سوريا على أنه أطول من الحرب العالمية الثانية، ورفع عبارات من قبيل “لقد مرت سبع سنوات على القتل المستمر في سوريا، فترة أطول من الحرب العالمية الثانية” “نعلن اليوم إضراباً عن الطعام ونطالب بوقف القتل في سوريا”، “هذا الإضراب هو تعبيرنا السلمي على وقوفنا مع كل الضحايا التي خنق صوتها”، “ندعوك لتنضم إلينا لطلب وقف حمام الدم في سوريا”.
“حرية برس” أجرى اتصالاً هاتفياً مع الفنان جهاد عبده وزوجته في اليوم السابع لإضرابهما، وكان الحوار الآتي:
*لماذا اتجهت إلى هذا النوع من التضامن مع سوريا؟ وما هي الرسالة التي تود إيصالها من خلاله؟
**بدأنا الإضراب بعدما أعلن المجتمع الدولي فشله في إيجاد حل لإنقاذ حياة آلاف المدنيين في سوريا، وبعد صمت الحكومات عن قتل مئات الأطفال الأبرياء، نحن هنا حاولنا جاهدين نشر الوعي في المجتمع الأميركي بأن ما يجري في سوريا هو ثورة شعبية لشعب مسحوق يطمح للتغيير على عكس ما تروج له الكثير من وسائل الإعلام الأميركية بأنه حرب على الإرهاب وهذه هي رسالتنا الأولى، فمتى تمكنا من كسب تعاطف الشعوب الغربية ستقوم هي الأخرى بالضغط على حكوماتها، رسالتنا الأخرى للناس البسطاء المقهورين أننا معكم ونحاول جاهدين التعبير عن تضامننا بشتى الطرق والوسائل.
وبالفعل منذ اليوم السادس للإضراب بدأت وسائل الإعلام الأميركية التواصل معنا، بالتالي فإن الشارع الأميركي سيكون عنده فضول أكبر للسؤال عن حقيقية ما يجري في سوريا والاستقصاء من مصادر موثوقة، مما سيجعل دائرة التضامن مع سوريا تتوسع، ما قد يكون نواة للتغيير أو طريقاً له.
أما رسالتي فهي أني أود أن أعطي صورة مشرقة عن الإنسان السوري على أنه سلمي ورافض للعنف محب للحياة على عكس ما يروج عنه، على أنه شعب متطرف أو عنيف، بدليل أننا نحاول جاهدين التعبير عن نضالنا بشتى الطرق.
*هل تعتقد أن جزءاً من رسالتكما تحقق حتى الآن؟
**على وسائل التواصل الاجتماعي كسبنا الكثير من الرسائل المتضامنة من قبل الشارع الأمريكي، وصاروا يسألوننا عن أي طريقة يساهمون فيها بدعم سوريا، إضافة إلى لقاء أجريناه مع إذاعة رسمية في أميركا وبعض اللقاءات الصحفية لكننا نطمح للوصول إلى كافة وسائل الإعلام الأمريكية، كما لاحظنا تضامناً من المتابعين العرب إلا أن بعضهم حاول ثنينا وإقناعنا بأن ما نقوم به غير مجدٍ بل هو قتل للنفس.
*البعض يتهمكما بأن عملكما فعل غير مجدٍ وبأنكم تودون تحقيق شهرة فما هو ردك؟
**ربما ليس هناك عتب على من يرى في الإضراب عن الطعام من فائدة فنحن في النهاية كنا نعيش في بلد لا يمكن التعبير فيه عن النضال بأي طريقة، وأنا لا أناقش بمن يعتقد بأن هذه الطريقة مغلوطة، لكني على الأقل مرتاح الضمير بأني أحاول أن أقدم شيئاً ولو كان واحد بالمئة، أحاول أن أشعر بجوع الناس المحاصرة، وبالحاجة إلى الدواء والطعام، بعدم القدرة على العمل، أنا لا أريد الشهرة لأني حققتها مع وصولي إلى هوليوود، كل ما أريده هو لفت نظر العالم لعدالة القضية السورية.
*ألم تحاول أن تثني زوجتك عن الإضراب بعد تراجع صحتها؟ ما هي المدة المحتملة لاستمرار الإضراب؟
**زوجتي تعبت كثيراً ولم تعد تقوى حتى على شرب المياه أحياناً، وأصيبت بغثيان متكرر وإقياء، لكنها رافضة تماماً لفكرة الاستسلام ودائماً تردد “أنا مو أحسن من أهل الغوطة اللي عم ياكلوا أوراق الشجر” في الحقيقة فاديا تشجعني كثيراً وتشعرني أننا نمتلك قوة ويجب أن نخرجها حتى لو كان ذلك غير مجدٍ لكن يكفينا شرف المحاولة.
من المقرر أن يستمر إضرابنا لمدة أسبوعين وإذا كان هناك قوة جسدية فإننا سنمدده لثلاثة أسابيع وهذا عائد إلى الأوامر الطبية للطبيب المشرف علينا.
*هل تحدثنا عن حياة الإضراب؟
**قبل بدء الإضراب حاولنا تخفيف الأكل والتفتنا إلى الشوربات والسلطات ثم الفواكه والخضار حتى انقطعنا تماماً عن الطعام في 14 مارس، نحن جسدياً لا يوجد لدينا طاقة لأصغر الأمور كأن أنزل وأحضر شيء من سيارتي أو أصعد على الدرج، لأن الجسم في البداية يرفض الاستجابة لهذا التغيير المفاجئ والصادم وهذا ما يفسر أن الأيام الثلاثة الأولى هي الأصعب لكن لاحقاً يبدأ الكبد في ضخ الدهون المخزنة للجسم ما يجعل باقي الأيام أخف، أما معنوياً فنشعر بقوة كبيرة ورضى داخلي على أننا جربنا حياة المحاصرين.
الفكرة جاءت بعدما وجدنا لدى المجتمع الأميركي اهتماماً مبالغاً به في موضوع الطعام، ورأينا أن محاولتنا الامتناع عن الطعام هي أولى الخطوات لجذب انتباههم والتعريف بقضيتنا.
*ما هي رسالتك للناس في سوريا؟ وهل لفيلمك تحت الاسمنت علاقة بما تود قوله للسوريين؟
**رسالتي للناس في سوريا أننا معكم على السراء والضراء ونفكر فيكم في كل لحظة لكن الحرب في النهاية تجبر الكثيرين على النزوح أو الخروج أو الهروب من سوريا، وأتمنى أن يعي الناس ألا جدوى من العنف والإيمان أن هناك قاتل حقيقي واحد هو من زج الشعب بهذه المعركة، أن يقتنع الكثيرون بأن عدوي ليس من يقف أمامي بل هو من دفعه للوقوف بوجهي وزج به في معركة غير متكافئة، عندما يقتنع الناس بذلك ربما ستعود المحبة المتبادلة لهذا الشعب.
أرجو أن يعي السوريون أن الإصلاحات الموهومة التي يعدهم بها النظام السوري ما هي إلا جرعات مؤقتة لعلاج مرض قاتل، فهي أشبه بمن يعطي سجائر لمريض السرطان مقنعاً إياه بأن لن يموت لكنه من فرط التعب سيموت بعد فترة.
في فيلمي “تحت الاسمنت” هناك رسالة أود إيصالها عن عائلة بسيطة تعيش هذه الحياة بجمالها وتعقديها، فتسأل الطفلة يوماً أبيها بعد متابعتها لبعض الأخبار السياسية: “هل يمكن أن يكون عندنا حرب؟ ليقطع السؤال صوت صاروخ يقتل العائلة جميعها، العائلة ماتت لكن ثمة صوت غناء خرج بعد ذلك، وهذا الغناء يرمز لشيئين، استمرار الحياة لشعب يحب الحياة والرسالة الأخرى أنه وفي معمة الموت وضجيج الحرب هناك من يغمض عيونه وأذنيه عن أصوات القصف والبكاء ويغني ويرقص على وقع الأغاني مقنعاً نفسه أن الحياة عادت لما هي عليه، وهو رسالة إلى المدن التي بجانبها أحياء تقصف وهي تغض النظر وتقول “الحياة تسير”.
* السيدة “فاديا عفاش” هل ترين لديك القدرة على الاستمرار في هذا الإضراب؟
**قبل البدء بالإضراب أجريت بحوثاً كثيرة حوله، ووجدت أن غاندي أعلن إضرابه أكثر من ست مرات وفي إحداها تجاوز إضرابه 21 يوماً، وأنا إن كان لدي القوة الجسدية سأحاول الوصول إلى هذا الرقم، هي ليست مسألة منافسة بقدر ما هي محاولة للفت نظر العالم إلى ما يجري في سوريا، فالصمت الدولي بات غير مبرراً والجرائم التي تتوارد يومياً تجعلنا عاجزين عن التعبير بأي وسيلة ولربما تكون هذه الوسيلة مجدية نوعاً ما، سأظل أقف في وجه العنف لأن من أوصلنا إلى هذه الحال هو صمت أجدادنا عن العنف سابقاً، لابد للجميع أن يعرف أن العنف إذا بدأ مكان ولم أواجهه فإنه سيصل لي ولبيتي، لذلك أحاول أن أكون حلقة من حلقات هذا التغيير، ربما أموت ولم أكن حققت شيئاً من هذا التغيير لكني على الأقل سأكون بدأت به، هو ليس لي فقط، بل للأجيال اللاحقة التي يجب أن تنبذ العنف أياً كان شكله.
*هل هناك رسالة نسوية تودين إيصالها من خلال إضرابك عن الطعام؟
**أنا هنا أمثل صوت المرأة السورية، المرأة التي حوربت بأقسى سلاح وهو الاغتصاب الذي مورس بحقها من قبل الأجهزة القمعية ومن قبل المجتمع الذي انتهك جسدها بعد اغتصابها، وبات ينظر إليها على أنها منبوذة، هي ذاتها المرأة التي صرخت وعبرت عن ألمها وقالت “لا” لمجتمع يرى فيها عالة عليه، أنا أود القول التفتوا إلى النساء في بلدنا، هن أقوى من ذي قبل، النساء هن أساس النسيج الاجتماعي، المرأة المحاصرة أو العاملة هي ذاتها التي تعتني بصغارها وتقف مع زوجها إلى جانب أنها تعيش الحب.
أنا أحكي عن نساء الغوطة اللواتي لم يهملن أطفالهن حتى وهن في الأقبية، لا زلن شجاعات صبورات كل امرأة منهن أنثى حديدية قدمت شجاعات استثناثية في ظل حملة ممنهجة لتقتل كل شيء حي في هذا الشعب.
عذراً التعليقات مغلقة