مالك الخولي – حرية برس:
نجحت قوات الجيش التركي بمشاركة فصائل الجيش السوري الحر، يوم الأحد، بالسيطرة على مدينة عفرين، بعد 56 يوماً من بدء عملية “غصن الزيتون”، التي لا تزال مستمرة للسيطرة على ما تبقى من قرى وبلدات تتبع للناحية.
وتكمن أهمية السيطرة على عفرين في إحباط حلم المليشيات الانفصالية في تقسيم سوريا، والتي لم تتوانَ في عدة مناسبات عن الإفصاح عن رغبتها بالتوسع نحو محافظة إدلب وصولاً إلى الساحل السوري، بغية تأمين منفذ بحري لدولتها المزعومة، ومن جهة أخرى وصل مناطق نفوذ الجيش الحر في شرقي محافظة حلب، المتعارف عليها باسم مناطق “درع الفرات”، بمحافظة إدلب وأجزاء من محافظتي حلب وحماة، والتي سرعان ما تجلت إيجابياتها بانخفاض أسعار الوقود في الشمال السوري المحرر.
سقوط فاضح
لم يتوقع أكثر المتفائلين أن يحصل سقوط المليشيات الكردية في عفرين بهذه السرعة، نظراً لطبيعة المنطقة الجبلية وإمكانية المقاومة في المدينة فيما بعد، وفي هذا السياق يرى الكاتب الصحفي أحمد كامل أن المفاجأة لم تكن السقوط السريع للمليشيات الكردية في عفرين فحسب، بل إنه كان من المتوقع أن يثور أنصار حزب العمال الكردستاني وتلك المليشيات ثورة هائلة ويحركوا ما استطاعوا من جماهير مؤيدة أو متعاطفة معهم أو حتى من غير المتعاطفين في أوروبا وتركيا وسوريا وباقي الأنحاء، ويقول إنه كان يتوقع إقدام أشخاص على إحراق أنفسهم في تركيا كما حصل يوم اعتقال عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، وقيام مظاهرات نارية وتحركات اجتماعية ومعركة هائلة… إلخ.
ويعتقد كامل أن التفسير الوحيد لسقوط هذا الحزب هو أن هناك جهة في العالم تأمره، قد تكون الولايات المتحدة أو روسيا، وهذه الجهة تأمر الحزب، والحزب يأمر أنصاره فيستجيبون، وقد أمروه بالخروج من عفرين لأن صفقة قد حصلت بشأنها، وبالتالي يجب ألا يقاومها وأن يخضع لتلك الصفقة، وفي المحصلة فإن الحزب أمر أنصاره في أنحاء العالم بالصمت والاستسلام لهذا الصفقة.
ويرى أن هذا السقوط طعنة إضافية للحزب ويفضح زيف ادعاءاته بأنه عقائدي وصاحب رسالة، حيث تخلى عن أهم منطقة كردية في سوريا، وهي المنطقة الوحيدة في سوريا التي يمكن أن يطلق عليها مسمى منطقة كردية نظراً لوضوح الأغلبية الكردية فيها وسكانها أكراد منذ زمن طويل، بخلاف مناطق الحسكة والقامشلي التي يسكنها الأكراد منذ أقل من 100 عام، وهي بمثابة قبلة للسوريين الأكراد، وقلب الحلم الكردي، كل ذلك لم يدفع الحزب إلى أن يهب للدفاع عن عفرين طوال 56 يوم، وهذه فضيحة للحزب في عيون أنصاره بأن فضل حماية النفط في دير الزور والرقة على الدفاع عن عفرين، ويشدد مجدداً على أن هناك أسياداً للحزب في العالم أمروه بتسليم منطقة عفرين والتي تضم أكثر من 100 بلدة بالإضافة إلى مركز المدينة.
“غصن الزيتون” مصلحة سورية أم تركية؟
ويصف كامل هذه المنطقة الممتدة من جرابلس شرقي حلب وحتى محافظة إدلب، بأنها المنطقة الوحيدة التي يعيش فيها اليوم السوريون الأحرار من معارضي نظام الأسد، دون يتعرضوا لقصف جوي، ودون الخضوع لحكم مستبد، سواء حكم نظام الأسد أو المليشيات الكردية أو تنظيم “داعش” أو حتى إيران وروسيا، وهي المرة الأولى منذ 50 عاماً يجد فيها السوريون منطقة آمنة يعيشون فيها دون استبداد أو قصف جوي، ويضيف: بالطبع هي منطقة نفوذ تركي، لكن تركيا هي الدولة الحليفة الوحيدة للشعب السوري اليوم، وقد استطاعت أن تخلص هذه المنطقة من أنياب إيران وروسيا ونظام الأسد وحزب الله وحتى أميركا، وهذه المنطق تعادل دولة لبنان من حيث المساحة.
ويعتقد أن هذه المنطقة تشابه إلى حد كبير الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، التي دخلتها الجيوش العربية عام 1948، وهي ما تبقى من فلسطين، معرباً عن أمله في عدم ضياع الباقي سوريا، ويقول إنه بالإمكان أن نطلق هذه المنطقة اسم “منطقة إنقاذ ما يمكن إنقاذه” وهو أمر جيد للشعب السوري.
ويضيف أن هناك أملاً في توسع منطقة النفوذ هذه، حيث بدأت بمنطقة درع الفرات ثم امتدت إلى أجزاء من إدلب ومن ثم عفرين، وفي حال تحقق جزء من التصريحات التركية فإن هذا يعد في غاية الأهمية للشعب السوري.
ماذا بعد عفرين؟
يقول كامل إن المطلوب اليوم هو الاستمرار في عملية غصن الزيتون لتحرير منغ وتل رفعت وهي بلدات عربية الأصل وقريبة من عفرين، لأن الاقتصار على البلدات الكردية سيتسبب بحرج كبير للجيش الحر المشارك في العملية.
ويطالب كامل بإقامة إدارة مدنية كردية بديلة عن مليشيات (PKK-YPG-PYD)، ويرى أنها فرصة لتشكيل جهة تمثل السوريين الأكراد بديلة عن تلك المليشيات وهي فرصة تاريخية للسوريين الأكراد والعرب للخلاص من هذه التنظيمات الإرهابية الاستبدادية التوسعية، التي جلبت الكوارث للسوريين وبالدرجة الأولى للأكراد منهم، بحسب تعبيره.
ويعتقد أن هناك اتفاقاً تركياً روسياً وافقت عليه الولايات المتحدة، لم تتضح حدوده بعد، وأنه في حال استمرت العملية لتشمل تل رفعت ومنبج وتل أبيض والقامشلي وفق ما صرح به الرئيس التركي، فإنها تمثل نقطة تحول كبيرة وجوهرية للوضع في سوريا، وهو يصب في مصلحة الشعب السوري، ويضيف أنه من حق الشعب السوري ومن مصلحته توفر بديل عن المليشيات لدى الأكراد وأمام العالم، حيث قُدمت تلك المليشيات على أنها الجهة الوحيدة التي لا تقهر عسكرياً في سوريا، وأنها الطرف الوحيد الذي يمكن التفاهم والتشارك معه، وأنه بعد الهزيمة المريرة التي لحقت بهذه التنظيمات في عفرين صار هناك بديل وهو تحالف الجيش السوري الحر مع الجيش التركي.
ملامح جديدة للصراع
يستبعد كامل انتهاء صراعات النفوذ في الوقت الحالي، ويرى أن ما حصل في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون هو (عقلنة للصراع)، حيث أن سقوط تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، الذي كان يوحد جميع الأطراف ضده، سيحول المواجهة إلى صراع بين الكبار، مشيراً إلى الصدام الروسي الأميركي في دير الزور قبل أسابيع، والأحاديث حول قرب المواجهة بين أميركا وإيران في سوريا، والتدخل الإسرائيلي المحتمل.
ويعتقد أن الصراع الحقيقي بدأ للتو، وأن الروس في مأزق ويخافون من الأميركان، حيث بدأوا بتوزيع مناطق نفوذهم في الشمال السوري على تركيا وكأنها قطع حلوى بحسب وصفه، ويستغرب كيف لمحتل لبلد وقّع معاهدات معها أن يعطي أجزاءاً منها لدول أخرى.
استحقاقات مطلوبة
من جهته يرى الناشط الحقوقي السياسي ونائب رئيس رابطة المستقلين الكرد السوريين، رديف مصطفى، أن هناك استحقاقات مطلوبة بعد طرد المليشيات، أولها وقف الفلتان الأمني وعمليات “التعفيش” ومحاسبة كل من اعتدى على المدنيين وأملاكهم وإعادة المسروقات، والأمر الثاني بالغ الأهمية هو تسهيل عودة النازحين إلى مدينة عفرين وقراها وبلداتها بشكل فوري دون إبطاء وإزالة الألغام وإزالة ركام الدمار.
ويؤكد مصطفى على وجوب إقامة إدارة مدنية من أهالي المنطقة بجميع مكوناتها، أي مجلس مدني ومجالس محلية منتخبة بعيداً عن العسكر تنشئ جهازاً قضائياً موحداً يعتمد القانون السوري، شريطة تعطيل “المواد الأسدية” فيه، وقوة شرطية غير مؤدلجة، وإلغاء سياسات التجنيد الاجباري التي كانت متبعة، وبالتالي تأسيس إدارة مدنية تدير المنطقة بأسلوب ديمقراطي والاستفادة من أخطاء منطقة درع الفرات وعدم تكرارها.
فرصة للسوريين الأكراد
وحول الانقسام الذي ظهر جلياً خلال “غصن الزيتون” بين مؤيد ومعارض حتى في الشارع الكردي نفسه، يوضح مصطفى أن الانقسام أمر طبيعي وهو موجود بين الأكراد السوريين بشكل عام، فهناك من يؤيد سلطة الوكالة التي تمثلت بالميليشيات وهناك من وقف مع الثورة، وبالتالي فإن هذا الأمر انعكس على الموقف من عملية “غصن الزيتون”.
ويرى مصطفى أن الأكراد السوريين في معظمهم مغلوب على أمرهم، وأن سلطة الوكالة التي استلمت إدارة المناطق ذات الغالبية الكردية استفردت تماماً بالقرار السياسي والعسكري والاقتصادي والأمني والإداري وبالقوة، حتى بعض النشاطات السلمية البسيطة تعرض أصحابها للقمع والاعتقال، ويعتقد أن عفرين باتت تشكل فرصة لإعلاء صوت الكرد السوريين الداعمين لثورة الحرية والكرامة من جهة، ومن جهة أخرى سيعتبر نجاح تجربة عفرين فرصة جديدة لكشف زيف الشعارات الخلبية الجوفاء لهذه الميليشيات والتي كان وقودها بسطاء الكرد خدمة لأجندة غريبة لاعلاقة لها بالكرد السوريين.
ويضيف أنها فرصة للكرد السوريبن للابتعاد عن “الشعارات والأوهام القومجية”، وبالتالي العمل مع قوى الثورة من أجل سوريا حرة دولة مدنية ديمقراطية تعددية موحدة وفق عقد اجتماعي جديد يضمن الحقوق والحريات واعتبار القضية الكردية في سوريا جزءاً من القضية الوطنية الديمقراطية في البلاد.
مستقبل التوجهات التركية
صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرات عدة أن عملية عفرين ستمتد لتشمل تل رفعت ومنبج وحتى القامشلي، أي كامل الشريط الحدودي مع تركيا، وفي هذا الشأن يعتقد مصطفى أن قسماً من تلك التصريحات هو عسكري ويتعلق بمدينة منبج، أما القسم الآخر فهو سياسي ويتعلق بمناطق شرقي الفرات.
ويعزو مصطفى ذلك إلى أن مناطق شرقي الفرات هي مناطق نفوذ أمريكي، وأن الموضوع يحتاج إلى توافق أمريكي تركي حول هذه المنطقة، ويشير إلى أن التحركات الأمريكية في مناطق شرقي الفرات في إلغاء النفوذ الإيراني أو تقليصه لا يصب في مصلحة هذه الميليشيات، بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني، المرتبط بشكل كبير بنظام ملالي طهران.
Sorry Comments are closed