يمنى الدمشقي – حرية برس:
الحياة في الغوطة داخل الأقبية تحديداً، الأيام التي تمر على أهاليها وكأنها أعوام، كلمات تكتب بلغة القلب وبكثير من الألم هي ما يصلنا يومياً من الغوطة الشرقية، قصص قد يصعب علينا تخيلها، تمكنت الكثيرات من نساء الغوطة من نقلها لنا بصورة حية وكأننا نعيش معهن الخوف والرعب والقصف.
كلنا بات يعرف شباك “نيفين حوتري” المكسور الذي يطل على المدينة المدمرة، الشباك الذي تروي لنا نيفين الحكايات التي كانت مختبأة خلفه، حكايات الأمنيات المؤجلة ولعب الصغار، إلى أن أخذتنا نيفين إلى قبوها الذي تعيش فيه، القبو الذي جمع الكبير والصغير، الغني والفقير، وتشاركوا جميعاً الخوف والجوع والمرض ورائحة الرطوبة كما تشاركوا رائحة الدم، ربما لم تكن نيفين تملك جواباً لابنتها عندما سألتها “ليش العالم عم بيكرهنا؟” لكنها تمكنت من إيصال رسالتها بأنهم دعاة سلام وليس من حق أحد أن يحرمهم من العيش بحرية.
أما ليلى البكري فكانت تجهز لعيد ميلاد ابنتها لين وهذا كان أقصى ما تنتظره لصغيرتها لكن مع الحملة الهمجية على الغوطة تحول عيد الميلاد إلى محاولة للنجاة بأرواح الطفلة والأم، ليلى التي كانت تحتفظ برداء صوف منذ طفولتها ثم ألبسته لابنتها إيلينا وخبأته في خزانتها هربت من بيتها دونه وقالت “لا حاجة لي به، حمل زايد من حياتي“!
تفاصيل الحياة الصغيرة التي تدونها نساء الغوطة يومياً على صفحاتهن، أسهمت بتوسيع دائرة التضامن مع الغوطة وبرسالة مفادها أننا نعيش نعم لكننا نعيش في حياة لا تشبه التي تعيشونها، ولعل في الاتجاه إلى التدوين ونقل الرسائل من داخل الغوطة عبر صفحات التواصل الاجتماعي الأثر الأكبر في جمع أكبر عدد من المتضامنين مع الغوطة.
هؤلاء النساء أنفسهن اللواتي يدونّ على صفحاتهن يخرجن ويساعدن في توزيع الطعام وبعضهن تساهمن في إسعاف الجرحى وأخريات يشاركن في تنظيم الحياة داخل الأقبية وخاصة بين الأطفال والحد من إحداث الفوضى من قبلهم.
ولعل ما يميز النشاط النسائي في الغوطة هو أن النساء تمكنَّ من كسر الحواجز المجتمعية والانخراط بالثورة بشكل كبير بدا أوسع مع الهجمة الأخيرة على الغوطة، وبرز دور المرأة كعضو أساسي في التنسيق للمظاهرات وإسعاف الجرحى والمشاركة بالنشاط المدني والإعلامي، وبرزت نساء كثر مثل نيفين حوتري والدكتورة أماني وبيان ريحان وليلى البكري وغيرهن ساهمن جميعاً في نقل حقيقة ما يجري في الغوطة، ففي جلسة مجلس الأمن الأخيرة خرجت “نيفين حوتري” لتتحدث في الجلسة من داخل القبو عما يجري في الغوطة ودعت بشكل المجتمع الدولي للتحرك بشكل سريع لوقف آلة القتل الممنهجة التي تشنها روسيا ونظام الأسد، ولعلّ هذه خطوة غير مسبوقة لمجلس الأمن في أن يعطي الكلمة لسيدة من منطقة داخل الحصار وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على نجاح المرأة السورية في جعل صوتها أعلى من أصوات القصف.
تقول ليلى البكري وهي ناشطة من الغوطة في حديث خاص لحرية برس: “أثبتت النساء يوماً بعد آخر أنهن أكثر قوة في مواجهة الصعاب، وحملت هموماً كثيرة على عاتقها من خلال رعاية الأطفال سواء أكان زوجها معتقل أو شهيد أو مطلوب، كما شاركت في المجالس المحلية أما في الحصار الأخير فصارت تساهم في نقل الغذاء داخل الأقبية، لولا وجود النساء ومشاركتهن في الثورة لكان الوضع بالغ الصعوبة”.
تركت ليلى دراستها الجامعية في 2013 والتحقت بركب الثورة السورية منذ اندلاعها، وعلى الرغم من تفوقها في الجامعة وحلمها بالحصول على الماجستير إلا أن حلمها بحرية بلدها كان أكبر، فعملت بشكل كبير لتثقيف النساء في الغوطة على اعتبار أنهن العضو الأهم في المجتمع، وساعدها على ذلك أن النساء يرغبن في أن يتطورن ويتعرفن على أشياء جديدة كانت محظورة عليهن، فأكملن دراستهن وانخرطن بالعمل ولو على نطاق ضيق.
وعن الصعوبات التي واجهنها في البداية بسبب البيئة المحيطة قالت ليلى “في البداية واجهنا صعوبات كبيرة على اعتبار أننا مجتمعنا محافظ، وواجهت الكثير من النساء مضايقات أو استهزاء بهن أو محاولت لثنيهن عن عملهن، لكن لاحقاً ومع ازدياد أعداد الشهداء والمعتقلين تقبل المجتمع النساء بشكل أكبر بعدما أحس بالحاجة إليهن، ودخلت النساء بشتى المجالات المدنية والطبية والسياسية والإغاثية“.
أما بيان ريحان وهي ناشطة من الغوطة فترى أن هناك الكثير من الأعمال تقوم بها النساء ولا يتمكن الرجال من القيام بها مثل التدريس والدعم النفسي للأطفال أو النشاطات التي تقدم لهم داخل الأقبية، أخذت بيان على عاتقها مهمة تصوير الشوارع المدمرة ونقل الصورة الحية إلى الخارج مستفيدة من خبرتها في التنقل السريع وسرعتها في نقل الأحداث والتواصل مع الإعلام.
بدأت بيان رحلتها بالتنسيق للمظاهرات السلمية ثم العمل الإغاثي والإعلامي والإسعافي، حتى اعتقلت في أيلول 2012 ثم أسست بعد خروجها من المعتقل مركز “اقرأ” التعليمي، الذي كان وجوده حاجة وضرورة بعد خروج معظم مؤسسات الدولة الرسمية عن العمل في كانون الأول من نفس العام.
وتنقلت بيان بين الانخراط في المجال الإعلامي والمجالس المحلية إلى أن أسست “مركز المرأة” في 2015 لدعم المرأة في الغوطة بالمشاركة مع بعض المنظمات المانحة.
تقول بيان” حاولنا بشتى الطرق إشراك المرأة في كل مجالات الثورة في محاولة لتسليط الضوء على واقعنا والإيمان أن التغيير يقضي أن يكون هناك شراكة بين الجميع لتحقيقه”
اليوم نرى الغوطة بعيون الأمهات اللواتي يحضن أطفالهن خشية قذيفة أو رصاصة، والنساء اللواتي ينتظرن أزواجهن المشاركين بحملات الإغاثة، والمسنات المتعبات، والأطفال المشتاقين للشمس، نراها اليوم كما لم تكن طيلة سبعة أعوام، متعبة وحزينة لكنها صامدة.
Sorry Comments are closed