احتمالات التدخل الغربي في سوريا وآفاقه

فريق التحرير19 مارس 2018آخر تحديث :
مالك الخولي - حرية برس
قوات أميركية في شمال سوريا – ABC

 

صعدت الدول الغربية في الأسابيع الأخيرة من لهجتها ضد نظام الأسد في سوريا، لا سيما الولايات المتحدة وفرنسا، اللتان أعلنتا في أكثر من مناسبة استعدادهما لشن ضربات أحادية الجانب في حال ثبت استخدام نظام الأسد لأسلحة كيميائية في حربه ضد الشعب السوري.

التصريحات المتصاعدة أثارت موجة من التكهنات، حول جدية التهديدات الأميركية والفرنسية، في ظل انكفاء الموقف الأميركي بالحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” طوال السنوات السابقة، مقابل التغييرات الأخيرة في الإدارة والرد الحاسم من واشنطن بعد هجوم مليشيات مدعومة من إيران وروسيا على قاعدة تضم قوات أميركية في دير الزور في شباط الماضي، والهجمات المجهولة والمتكررة على قاعدة حميميم التي تحتلها روسيا في الساحل السوري.

تحول أميركي

يرى المعارض السوري وعضو الائتلاف الوطني السابق سمير نشار، أنه منذ وصول ترامب إلى السلطة كان هناك تعامل مختلف من قبل الإدارة الأميركية مع الملف السوري. ويشير إلى أن إدارة اوباما كانت تعوّل على التقارب مع إيران من خلال رهانها على الاتفاق النووي الإيراني الذي وقع عام 2015، وأن إدارة أوباما لم تكن بصدد أي مواجهة مع إيران في المنطقة وخصوصاً سوريا وهي الساحة المشتعلة، بينما على النقيض أتت إدارة ترامب بشخصيات عسكرية ذات خبرة بمنطقة الشرق الأوسط، وتلك الشخصيات معروفة بمواقفها المتشددة من إيران وأهمها الجنرال ماتيس والجنرال ماكماستر والجنرال كيلي، ويرى أن هؤلاء هم أصحاب القرار الفعلي في إدارة ترامب خاصة في القضايا الاستراتيجية المتعلقة بالشرق الأوسط.

ويضيف نشار: هذه الإدارة خلال عام أو أكثر أرسلت رسائل واضحة وقاسية لروسيا ولإيران وبطبيعة الحال لنظام الأسد مفادها أن تعامل إدارة ترامب مع الملف السوري تختلف نهائياً عن الادارة السابقة، ويشير إلى أنه عندما استعمل النظام سلاحه الكيماوي في خان شيخون في نيسان عام 2017 كان هناك رد عسكري مباشر وخارج إطار مجلس الأمن، ويقول: هذه نقطة مهمة لأن ذلك حصل بعد ما يقارب ست سنوات من انطلاق الثورة السورية، وتلا ذلك إسقاط طائرة لنظام الأسد حاولت الاقتراب من محافظة الرقة، وأيضاً تم قصف الميليشيات الطائفية التابعة للنظام وإيران عندما حاولت الاقتراب من التنف وهي منطقة نفوذ وتواجد أمريكي، وأما الرسالة الخشنة للروس خصوصا كانت المعركة التي جرت في ليلة 7/8 شباط من العام الحالي وقتل فيها العشرات من المرتزقة الروس.

ويرى نشار أن كل هذه المؤشرات توحي بأن هناك تحولاً مهماً في مواقف الإدارة الامريكية تجاه التعامل مع الملف السوري، خاصة بعد أن تم اعلان الاستراتيجية الأمريكية في سوريا من قبل تيلرسون منذ أكثر من شهرين في جامعة ستانفورد، والتي أوضحت بشكل لا لَبْس فيه أن نظام الأسد الأب والأبن هو من ساهم في انتاج “داعش” وبدعم إيراني، وأن خروج أمريكا من العراق بشكل مبكّر هو الذي سمح بعودة تنظيمي القاعدة و”داعش” وبازدياد النفوذ الإيراني في العراق، وأن ادارة ترامب لن تكرر خطأ إدارة اوباما في الانسحاب المبكر من سوريا بعد القضاء على داعش، وإنما بعد إيجاد تسوية سياسية في سوريا تحقق وتضمن أن تبقى سورية موحدة ومستقرة ومستقلة، وضمن نظام سياسي جديد لا مكان فيه لبشار الأسد.

مواجهة محتملة

ويعتقد عضو الائتلاف الوطني سابقاً أن المرحلة القادمة ستكون ذات مواقف أمريكية متصاعدة تجاه إيران وأيضاً تجاه الروس وأن سوريا ستكون ساحة مواجهة متعددة الأشكال إقليمياً ودولياً، ويضيف: للأسف الدور السوري سوف ينحسر سواء بالنسبة للمعارضة السورية سياسياً وحتى على صعيد العمل الثوري الميداني ضد النظام، وربما تكون معركة الغوطة آخر معارك الثورة مع النظام السوري، لأن اغلب الفصائل من الشمال إلى الجنوب أصبحت ممسوكة من القوى الإقليمية والدولية والمواجهة ستكون على الأرجح مباشرة وليست حرباً بالوكالة، لأن الوكالة انتهت صلاحياتها على ما يبدو، خاصة أن القوى الإقليمية والدولية المتصارعة في سوريا هي موجودة بقواتها على الأرض من سوريا، وكل محور له من الدول الداعمة والمساندة نتيجة تضارب المصالح بين المحورين وتقاطع المصالح بين دول المحور الواحد. وأن “المرحلة القادمة صعبة على السوريين الموزعين بين تلك المحاور للأسف الشديد”.

وحول مدى التصعيد، يرى نشار أن هناك موقفاً أمريكياً إسرائيلياً لمنع استقرار إيران في سوريا وخاصة بعد التوافقات الروسية التركية الإيرانية في سوريا، بحيث أصبحت الدول الثلاث تتقاسم النفوذ في سوريا، ووسط التقارير عن تزايد التعزيرات الامريكية في الجبهة الجنوبية والتنف، يعتقد أن أمريكا لن تترك دمشق والنطاق الجغرافي الممتد من القسم الغربي من سوريا امتداداً إلى لبنان لأنها ستصبح أيضاً تهديداً مباشراً للأمن الاسرائيلي وهي الحليف الأول لأمريكا بالمنطقة،ويرى أن واشنطن لن تدخل بالصراع إلا من خلال ضرب مواقع عسكرية للنظام السوري أو إيران وبعيدة عن المناطق السكنية، مؤكداً على أنه في جميع الحالات لديها أجندتها الخاصة، وفي هذه الحالة سوف يكون التعاون مع أغلب الفصائل المعتدلة من الجبهة الجنوبية والفصائل المتواجدة بالتنف و”قوات سورية الديموقراطية” ويعلل ذلك لأن هذه الفصائل لا تحمل أجندات ذات مضمون ديني، ويشدد على أن هذا ما يجب أن يدركه أغلب السوريين إذا ما أرادوا الاستفادة من الدور الأمريكي، ويرى أنه هو الخيار الوحيد إذا ما أردنا التخلص من نظام بشار الأسد أما باقي الخيارات كلها مجرد أوهام. وينوه في نهاية حديثه إلى المناورات المشتركة الأميركية الإسرائيلية منذ فترة قائلاً: المنطقة حبلى بالمفاجآت المتوقعة للبعض والمفاجئة للكثيرين.

سوريا جزء من مواجهة شاملة

من جهته يرى الدكتور وائل العجي، المتحدث باسم الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن مواقف الدول الغربية اليوم تعتبر أن نظام الأسد أصبح مجرد تفصيل من الصورة الأوسع وهي أن سوريا أصبحت تحت احتلال مباشر من روسيا وإيران اللتان تهيمنان على مناطق نفوذ النظام في سوريا، وأن نظام الأسد لا يملك من أمره إلا الشيء القليل اليوم، وهو ما ينطبق على مليشيا حزب الله وباقي المليشيات الطائفية وشركات المرتزقة الروس، ويقول: سوريا ترزح تحت احتلال روسي إيراني مباشر وما دام هذا الاحتلال موجوداً فإن مواقف الدول الغربية تنظر إلى الموضوع السوري على أنه مواجهة شاملة أو تسوية ومقايضة بين الغرب وروسيا وإيران، ويشدد على أن الغرب لم يعد ينظر إلى الأسد كجهة يجب التعامل أو المساومة معها.

وفي هذا السياق يقول المتحدث إن القضايا التي يمكن المساومة عليها بين الغرب وروسيا وإيران تشمل الدرع الصاروخي وقضية شبه جزيرة القرم والاتفاق النووي الإيراني، بالإضافة إلى العقوبات المفروضة على الدولتين والتي يرى أنها مؤلمة وأدت إلى تضرر الاقتصادين الروسي والإيراني إلى حد كبير، وكشف أنه في معظم المفاوضات التي تجري يطالب الروس والإيرانيون بتخفيف تلك العقوبات أو رفعها مقابل أي تنازلات في سوريا.

ويعتقد أنه خلال الفترة الماضية، لا سيما السنوات الثلاث الأخيرة، اختلطت الصورة لدى الغرب فيما يخص سوريا، ولم تعد الدوائر الغربية تنظر إلى ما يحدث فيها على أنه ثورة شعب مظلوم ضد نظام طائفي مجرم، بل باتت تنظر إلى الأمر على أنه صراع أو حرب أهلية بين قوى مختلفة متصارعة فيما بينها وأن هناك بعداً طائفياً بارزاً لهذا الصراع، وهو صراع تتدخل فيه قوى إقليمية ودولية.

ويؤكد على أن الغرب لا زال ينظر إلى الأسد على أنه قاتل ومجرم ولا يمكن التصالح معه، لكنه في الوقت ذاته يرى أن القوى التي تقاتل الأسد ربما لا تقل عنه إجراماً وطائفية وفساداً، وبالتالي صار هناك صعوبة في التمييز بين القوى المتطرفة وبين بقية القوى الوطنية والديمقراطية، لا سيما بعد تفكك وتشرذم المعارضة وتصارعها البيني وانكفاء القوى الوطنية والديمقراطية بسبب ضعفها وضعف مواردها وترهيبها من قبل بعض الأطراف الأخرى المتنفذة في المعارضة.

انقسام في واشنطن

وحول التهديدات الأميركية بعمل منفرد يقول الدكتور وائل: لا شك أن الحديث يتصاعد في واشنطن حول إمكانية توجيه ضربة عسكرية إلى النظام بسبب استمراره باستخدام أسلحية كيميائية، ويكشف أن هناك انقساماً بين المستشارين في البيت الأبيض بين رأي يؤيد تسديد ضربة لمعاقبة النظام، وبين رأي آخر يقول أنه لا بد من توفر أدلة قاطعة على أن النظام يستخدم أسلحة محرمة دولياً مثل غاز السارين، لأن غاز الكلور لا يعتبر من الأسلحة الكيميائية المحرمة. ويضيف: هناك بالتالي جدل في واشنطن حول تسديد هذه الضربة، لكن القرار الأخير يعود إلى الرئيس ترامب.

ويضيف المتحدث أن ما يعزز صدقية هذه المعلومات هو السعي المحموم لدى الروس لتجنب هذه الضربة وتوجيه رسائل وتهديدات إلى الطرف الأميركي بأن روسيا سترد في حال تم توجيه أي ضربة أميركية، بالإضافة إلى التعزيزات الأميركية والبريطانية التي وصلت مؤخراً إلى قاعدة التنف في البادية.

لكنه يرجح أن الأميركان لن يقدموا على توجيه ضربة عسكرية في الوقت القريب، ويعلل ذلك بعدم توفر دليل قطعي حول استعمال غاز السارين على الرغم من الاستخدام المكثف لغاز الكلور، وهنا يعتقد أن الأميركان لا يودون المخاطرة في مواجهة حملة معاكسة في الدوائر الإعلامية والسياسية الموالية لروسيا وإيران في حال أقدموا على مثل هذه الضربة.

وفيما يخص التهديدات الفرنسية، يرى الدكتور وائل أنها لا تتعدى مستوى التهديدات الخطابية، ويعتقد أن فرنسا لا تمتلك القدرة على توجيه ضربة للنظام دون التنسيق مع الأميركان أو بدون أخذ موافقة أميركية، ويستبعد قيام باريس بتلك الخطوة التي تتطلب إمكانيات لوجستية عالية على الأرض ومعلومات استخباراتية دقيقة لتجنب أي تصادم مع الطائرات الأميركية أو الروسية العاملة في سوريا، وهي في الوقت ذاته لا تملك القدرة سياسياً لمواجهة تبعات العمل بشكل منفرد، ولا يستطيع ماكرون تحمل تلك العواقب حتى داخل فرنسا، فتلك الخطوة قد تنظر إليها بعض الدوائر الفرنسية على أنها توريط في الصراع الدولي والإقليمي، وعملياً فإن مصالح فرنسا ضئيلة في سوريا ولن تدفع ماكرون إلى القيام بهذه المغامرة.

فرصة فائتة للمعارضة

وحول التصعيد بين بريطانيا وروسيا عل خلفية محاولة اغتيال الجاسوس الروسي، يرى أنه خارج سياق الصراع في سوريا، ويستبعد قيام بريطانيا باستخدام ذريعة تلك المحاولة للتدخل عسكرياً في سوريا، ويعتقد أن بريطانيا ستعتمد على التصعيد السياسي والدبلوماسي وتعزيز حملة المقاطعة المحتملة لكأس العالم في روسيا، وربما التهديد بعقوبات نوعية جديدة ضد روسيا بمشاركة باقي الدول الأوروبية.

لكنه يرى أنها فرصة كبيرة كان يمكن أن تستفيد منها المعارضة السورية فيما يخص استعمال أسلحة كيميائية روسية على الأراضي البريطانية، ويقول: كان يمكن استغلال هذه الحادثة بشكل كبير يصب في مصلحة الثورة السورية، لكن للأسف حال المعارضة السورية يرثى له بسبب الصراعات الداخلية والتشرذم والعقم، وهي بنظره غير قادرة على استغلال مثل هذه الفرص الذهبية.

ويعتبر أن المعارضة السورية غائبة بشكل شبه تام عن عواصم القرار الدولي وأهمها لندن وواشنطن، وهي العواصم التي يمكن أن تحدث فرقاً في موازين القوى ضد روسيا وإيران، والمعارضة السورية غائبة عن هاتين العاصمتين تماماً وهو ما يؤثر إلى حد كبير في مدى قدرتها على الاستفادة من الفرص، ويقول: للأسف لا أعتقد أن يتم استثمار هذا التصعيد بين بريطانيا وروسيا من أي طرف سوري، لا يوجد حالياً أي طرف سوري لديه خطة عمل فعالة ومرصود لها إمكانيات بشرية ومادية للقيام بها، كان من الممكن في السابق ولكن تم إضاعة كل تلك الفرص ولم تتعلم المعارضة الدرس.

ويقول محدثنا: إذا أردنا حشد دعم دولي لقضيتنا يجب علينا إنتاج سردية جديدة وخطاب ورسائل جديدة للمجتمع الدولي لحشد الرأي العام العالمي والإعلام والدوائر السياسية والأكاديمية المؤثرة في عملية صناعة القرار لتأييد القضية السورية، ويرى أن هذا الخطاب يجب أن يعتمد بالدرجة الأولى على أن سوريا تحت احتلال روسي إيراني مباشر، وهذا الاحتلال هو عدو لكل المجتمعات الديمقراطية والحرة وبالتالي هو عدو مشترك، والتأكيد على المصالح المشتركة في هزيمة هذا الاحتلال، وفي هذا السياق يضيف أن نظام الأسد هو مجرد تحصيل حاصل، فبمجرد هزيمة الاحتلال الروسي والإيراني فإن نظام الأسد سيسقط بشكل تلقائي وسريع كما حدث في أفغانستان حين تم هزيمة الجيش السوفييتي وسقط نظام نجيب الله كهيكل من الكارتون في غضون أيام قليلة، ويؤكد على أنه بهزيمة روسيا وإيران في سوريا لن يكون نظام الأسد قادراً على البقاء بأي شكل من الأشكال.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل