لم يكن مسموحاً للمواطن في سورية أن يعلو صوتهُ إلّا لترديد شعارات التّمجيدِ والفداء والوفاء لشخصٍ واحد، عمل الزّبانيةُ خلال عقودٍ على اختزال الوطن بشخصه، وقرروا اسم الوطن باسمه، وكأنّ سورية الطاعنة بالتاريخ والحضارة، لم تولد إلّا على يديه، منحوهُ من القداسةِ ما منحوه حتى جعلوه وثناً يسجدون له، حتى جاء آذار عام 2011، فجاء الربيع، وكان اليوم المشهود، حين صدحت حناجر السوريين بالهتافِ عالياً “الله سورية حرية وبس”، كاسرةً حاجز الخوف الذي جثمَ عليها أربعين عاماً تمجّد القائد وتقدّسه دون الوطن.
يومها أراد السوريون أن يستعيدوا حقهم بالكلام، وحريتهم بالنشيد.. النشيد على إيقاع عطر الزهور، فواجهَ من سمّى نفسه معبوداً الحناجرَ بالسكين، والزهور بالرصاص. كان نشيداً ربيعياً خالصاً، أراده الشعب برداً وسلاماً وورداً على الوطن، فأرادهُ الطاغية ناراً وحرباً وحديداً عليهم وعلى الوطن. وعلا الهتافُ وعمَّ النشيد.. فمنكمُ الرصاصُ والنابلمُ.. ومنّا الصّدورُ العاريةُ والحبق… كان ذلك اليوم منذ سبع سنوات، بدايةً لحقبةٍ جديدة ومختلفة في تاريخ سورية المعاصر، وربما في تاريخ المنطقة والعالم.
سبعٌ مررْنَ على الثورة التي كشفت وعرّت وفضحت. كشفتْ كذب أصحاب الشعارات الجوفاء الرنّانة حول الوطنية وحب الوطن، كشفت الصديق من العدو، وعرّت نفاق الفاسدين المتوارين خلف أعلام الوطن، وفضحتْ خيانة مدّعي الممانعة والمقاومة مع العدو الصهيوني. وأظهرت حقيقةَ أن كل ما خزّن في مستودعات الأسلحة بحجة محاربة اسرائيل كان لمحاربة ومواجهة الشعب الذي لا يريد سوى حقّ طبيعي هو الحرية ولد مع الإنسان بالفطرة، هذا الشعب الذي مارسَ علبه النظام المجرم وعلى مرّ السنوات السبع، كلّ ألوان العذاب والقهر والقمع والاعتقال والتعذيب والتنكيل والانتقام والخطف والدمار والتهجير.
تنقضي السنة السابعة من عمر ثورة الكرامة والحرية، وتطلعُ علينا جهات مشبوهة وأصوات نشازٌ لا تمثل إلا نفسها، محاولةً تجريمَ الثورة وإلصاق التهمة بها بأنها كانت وبالاً على الشعب السوري، وأنها لم تجلب له سوى القتل والدمار والتهجير، وبأنه كان من الخير له لو لم ينتفض تحت مقولة “كنّا عايشين” التي خروجها النظام وجهات تعمل ضمن منظومته القذرة، ولا يخفى على كل عاقلٍ أنّ الهدف منها تبرئةُ النظام من تبعة ما حصل ويحصل حتى هذه اللحظة من جرائم ومجازر بحق الشعب السوري. ودفعاً باتجاه محاولة وضعِ الشعبِ السوري الحر بمراجعةٍ ذاتيةٍ مع نفسه ،ليؤدي فروض الندم والعودة إلى حضن النظام المجرم الطائفي،متناسينَ أن هذه المحاولات وأخواتها لاتنطلي على شعبٍ واعٍ وحرٍّ كالشعب السوري، الذي فهم جيداً طبيعة هذا النظام وحقيقته الإجرامية الطائفية البشعة، والذي وعى وأدركَ أن الثورة كانت ضرورة لازمة، وأنها بعد كل الأهوال والآلام التي مازال يعانيها، باتت ضرورة ملحّة وحتمية لنيل حريته وتحقيق أحلامه في العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية ودولة المواطنة وإلديموقراطية. ولذلك يدرك الشعب السوري، أنه في خضم ما وصلت إليه الثورة على المستوى العسكري، فعليه أن يبتكر أساليباً ومستويات جديدة لمواصلة نضاله.
للسنة الثامنة يستمر السوريون في ثورتهم غيرَ غائبٍ عن ذاكرتهم أنّ ثوراتٍ عدة في العالم، بدت وكأنها متجهةٌ نحو فشل ذريع، إلا أنها انتصرت في النهاية برصّ الصفوف وتوحيد القيادة، وتصويب المسار، والثبات والاستبسال ونفي اليأس. لتاريخ الثورة السورية الكبرى عام 1925 قريبٌ جداً، وكذلك الثورة الجزائرية التي قدمت مليون ونصف شهيد، والثورة الفرنسية عام1789. كلها ثورات تعرضت لكبوات، لكنها ما لبثت أن انتصرت إرادة الشعوب الحية ورحل المحتلون والطغاة.
إنها حتمية التاريخ وإرادة الله وإرادة الشعوب المكافحة من سينتصر في النهاية، مهما طال الليل. فكما أنّ تفشّي الحرام لا يحيله حلالاً، كذلك تغوُّلُ الظلم لايجعلهُ قانوناً وسُنّة. أيتها الحبيبةُ اليتيمةُ الفارعةُ كقمر… سبعٌ مَرَرْنَ يُناوِشُكِ الخريفُ ومازلتِ في عزِّ الزَّيتون…
عذراً التعليقات مغلقة