يمكن أن تكون الحرب في سوريا موضوعاً يعالجه المؤرخون ضمن إطار التاريخ الافتراضي بأسئلة مثل: ماذا لو حدث، لو أن كذا وكذا؟ والسؤال الملح بين كل الأسئلة المفترضة ذلك المرتبط بالدول الغربية: كيف كان يجب أن تدور رحى الحرب، لو أن الدول الغربية سلكت سلوكاً مغايرا؟ لم يأتِ هذا السؤال من فراغ، فهو يتحدث مباشرة عن مصير عدد كبير من الناس، كان يمكن أن يكونوا على قيد الحياة، لو تصرف الغرب بشكل مختلف.
اليوم يمكن القول إن تاريخ القرارات الغربية يمكن أن يُطلق عليه تاريخ الفرص الضائعة. وأكثرها ضياعاً كان في عام 2013، حين هدد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بعواقب تجاوز “خط أحمر” في حال استخدام نظام الأسد الغاز ضد شعبه. ويوم استعمل الغاز فعلياً، لم يفعل أوباما شيئاً. فتغاضى عن الغاز وعن إنذاره وربما الأمرين معاً.
أوباما و”خطوطه الحمراء”
ويبدو بذلك أنه قد ضاعت آخر فرصة لوقف نظام الأسد عند حدوده. حينها لم يكن تحت حماية إيران وروسيا، على الأقل ليس بالشكل الذي تطور بعد حين. حينها كان من الممكن – ضمن إطار توازن القوى – أن تتدخل الولايات المتحدة وشركاؤها. لكن أوباما أضاع هذه الفرصة.
وكانت عنده حجج جيدة لعدم التدخل على الأرض، فالتدخل الأميركي في العراق كان قد مر عليه 10 أعوام، تجربة أوضحت أنها كارثة بكل المقاييس السياسية والأخلاقية والبروبغاندية. حرب دخلتها أميركا بغرور ومن دون عقل، على أساس مجموعة أكاذيب وخرجت بصورة قوة استعمارية لم تتخلص منها حتى اليوم.
ودخول حرب أخرى في الشرق الأوسط بعد عشرة أعوام كانت تبدو تجربة خطرة لم ترد أميركا خوض غمارها، كان يمكن أن تحطم سمعة أميركا أكثر، لو سارت بشكل معين.
وبنفس التقدير كان من الصعب جداً من الناحية الاستراتيجية دخول المخاطرة: ففي النهاية لا يمكن حساب نتائج التدخل عسكرياً في سوريا. هل كان يمكن أن يتأثر الأسد؟ هل كانت روسيا وإيران ستتدخلان أيضاً؟ وهل سيعادي بهذا أوباما جزءا من العالم الإسلامي – الشيعة وربما السنة أيضاً؟ هل كان سيعني هذا هجمات جهادية أخرى ضد الولايات المتحدة وأوروبا؟
ثمن الحيادية
كان ذلك واضحاً: من الممكن حدوث نتائج وخيمة نتيجة الغزو. لكن المعضلة تكمن أيضاً في قرار عدم التدخل. الوضع الحالي واضح تماماً: روسيا وإيران يوجهان الدفة في سوريا وتدخلا بشكل كبير، إلى درجة لم يعد بإمكان الغرب التدخل عسكرياً. والمطالب في واشنطن والعواصم الغربية برحيل الأسد أضحت ادعاءات جوفاء وغير واقعية بشكل فاضح. وما يريد الغرب وما لا يريد أمر لا يلعب أي دور. حتى دعوات التصالح لم تعد تثير اهتمام أي أحد في سوريا.
بالإضافة إلى ذلك: لو أن الولايات المتحدة عملت على أسقاط الأسد استراتيجياً وخلقت الفوضى على الأرض نتيجة هذه الفرضية، لظهرت بكل تأكيد كقوة سيئة النية.
غير أن الوضع لم يكن أفضل أيضاً، أن يقف أوباما وشركاؤه موقف المهدد بالتدخل غير الواثق من نفسه والمتردد. دعم المعارضة المسلحة؟ نعم لكن ليس كثيراً، بسبب الخوف من دعم الجهة الخاطئة (الجهاديين). هذه الاستراتيجية لم تنجح، بل بالعكس، شجعت كثير من المعارضة على خوض قتال ينظر له اليوم على أنه خاسر منذ البداية. ولم يقتلوا هم وحدهم، بل مئات الآلاف من المدنيين الذي قضوا نتيجة حرب فظيعة، حرب سارت بسخرية تشبه حروب القرن العشرين الفظيعة.
ادعاءات جوفاء؟ ليس مجدداً!
السؤال الآن: ماذا يمكن أن نتعلم من كل هذا؟ الحروب التي خاضها الغرب في العراق وليبيا سارت بطريقة متهورة وانتهت نهايات دموية. ومن الواضح أن الغرب ليس بإمكانه اليوم التدخل لفترات طويلة.
لكن لا يمكنه ترك الساحة إلى جهات أخرى. إذ أن التحول الذي طرأ بعد التدخل الروسي والإيراني أضحى سخرية لا يمكن إهمالها. وفي المستقبل، وبالطبع ليس في الحالة السورية – فقد أصبح الموضوع متأخراً الآن – يعني: أن تحترم الاتفاقات وتعالج المشاكل بحزم. أو أن يتحفظ الغرب منذ البداية على اتخاذ أي موقف. فلا شيء يتحقق مع إطلاق الادعاءات الجوفاء فقط. إنها تجعل الموقف أكثر سوءا.
عذراً التعليقات مغلقة