تناول الصحفي “جوناثان فريدلاند”، في صحيفة الغارديان البريطانية، الصمت الدولي المخزي إزاء حمام الدم السوري، وجرائم النظام منذ 7 سنوات إلى اليوم، وآخرها الهجوم الوحشي والمذبحة التي تحدث في الغوطة الشرقية. ومن وجهة نظر الكاتب أن أي شيء تقريباً أكثر إثارة للاهتمام من المجزرة التي يتعرض لها السوريون، فبالنظر إلى الصفحات الأولى للصحف تعرض صحيفة الغارديان المذبحة التي يتعرض لها المدنيون العزّل في الغوطة الشرقية، أما البقية فهي عبارة عن مزيج من الفضائح المستمرة في الجمعيات الخيرية الدولية، والسجل الضريبي للمنظمين الماليين المعيّنين حديثاً، وفي مقابل كل ذلك لا يعتبر حمام الدم في الغوطة الشرقية منافساً قوياً للتصدر على الصفحات الأولى.
وأشار الصحفي إلى المفارقة في تصدّر سوريا للصفحة الأولى في صحيفة غارديان البريطانية البارحة الأربعاء، في الوقت الذي لا توجد فيه أي قاعدة أخلاقية عند أحد، حيث أنه بالرغم من استمرار إراقة الدماء في سوريا منذ 7 سنوات إلى اليوم، إلا أن معظم السياسيين، الإعلام، والجمهور قد أشاحوا بنظرهم عن ذلك.
يعرض الكاتب في مقالته بعض الحقائق – من المؤكد أن حكومة بشار الأسد قد قصفت المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة، وقتل 194 شخصاً في 40 ساعة، وعدد كبير منهم من الأطفال. وقد يكون قد استهدف سبعة مستشفيات في يومين، حيث ضرب مراراً وتكراراً العاملين في المجال الطبي في سعيهم لإنقاذ الجرحى والموت. مما قد يشير إلى تصعيد الحصار الذي منع الإمدادات لشهور عن 390.000 من السكان، وذلك لزيادة الضغط عليهم بالقصف والتجويع – ويتساءل أنه في الوقت الذي يمكن للأم المتحدة أن تقوم بالتوثيق بدقة، لكن من الذي يأبه لكل ذلك ؟!
ويعود الكاتب بذاكرته إلى بعض الأشياء التي خالجته خلال تكرار هذه الجرائم يوماً تلو الآخر، كتغريدات ترامب أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويخلص إلى كونه جزءاً من هذا التغاضي العالمي في وجه هذه الفظائع. ويذهب “فريدلاند” إلى إلقاء اللوم على المجتمع الدولي، قائلاً أن صمتهم (بما فيهم فريدلاند نفسه) يشّكل تواطؤاً، وأن غياب الغضب الصاخب كان إشارة للأسد لمتابعة ما يقوم به من قتل ممنهج، وتطمين بأن أحداً لن يمنعه من ذلك. وسخر الكاتب من بعض ردود الفعل الخجولة إزاء الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد قائلاً: “لو كنت مكانه وصدرت إدانة بحقي (استنكار مثقف اسكندنافي لي على الراديو، أو إصدار يونيسف بياناً فارغاً لأنه لم يعد لديها كلمات لوصف معاناة الأطفال) فسيكون ذلك جيداً، لأني أعرف أن هذه الموجة من القلق ستمر، وأنه سيُسمح لي قريباً بمعاودة القتل مجدداً، وذلك رهن بمحافظتي على الأرقام اليومية في الحد الذي يمكن للجميع تجاهله بأمان. لقد تعلمت الدرس في نسيان الماضي، عندما تجاوزت الخط الأحمر، واستخدمت السلاح الكيماوي ضد المدنيين في إدلب، وكانت النتيجة هي ضربة صاروخية أمريكية واحدة ومحدودة على مطار سوري. وطالما أني لم أكن وقحاً جداً، وأبقيت القتل ضمن الحدود المتفق عليها، فإنني سأظل وشأني”.
ويتساءل الكاتب عن تفسير هذه اللامبالاة العالمية؟ ويرى أن السبب في ذلك يعود جزئياً إلى أولئك الأشخاص الذين لديهم اهتماماتهم المشروعة والبعيدة، حيث أن ترامب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليسا تهديدين مميتين كما هو حال البراميل المتفجرة في دمشق، إلا أنهما زلزلا بريطانيا وأمريكا على حد سواء. وفي الأيام الأخيرة لم يدفع ذلك منظمات الإغاثة التي نتوقع عادة أنها ستدق ناقوس الخطر في حالة طوارئ كتلك التي تتعرض لها سوريا.
أما الجزء الآخر من هذه اللامبالاة فيعود إلى أن الكارثة الإنسانية في سوريا مستمرة منذ وقت طويل، فالحرب السورية مستمرة منذ 7 سنوات، وقد أصبح مشهد الأطفال السوريين المختنقين حتى الموت منظراً معتاداً، والقضية التي أحدثت الجلبة الأكثر في هذا العقد، إلا أن لا أحد يعرف ماذا يفعل إزاء ذلك؟.
واستشهد الكاتب بما كتبه من قبل عن واحدة من عواقب غزو العراق الكارثي في 2003 التي كانت تشويهاً لما يدعى بالتدخل الإنساني، حيث أن الاعتقاد بأنه في بعض الأحيان من الحق إيقاف الأنظمة عن قتل شعبها، من دون أي دعوة للتدخل، ومن دون أي نقاش عام حول ما يمكن عمله لوقف المذابح، سرعان ما يتوقف الحديث عن الذبح وينزلق إلى خارج هدفه.
لكن من وجهة نظر الكاتب أن إيلاء الاهتمام، وإثارة جلبة هي أمر مهم. فربما لا يكون هناك جدوى من التوجه إلى الأسد أو المعارضة، لكن مؤيدي الأسد وداعميه (روسيا وإيران) ليست بعيدة المنال. حيث أن جهود موسكو الكبيرة في الفيسبوك وتويتر، فضلاً عن الملايين التي تدفعها في قناة الدعاية التلفزيونية “RT”، تؤكد أنها على الأقل حساسة للرأي الغربي.
ويختم الكاتب مقالته بالقول بأن هذه الحرب لا تهدأ، وإن الذين يراقبونها عن قرب يقولون أنها تزداد حدة. وبالنسبة للغوطة، لقد كان يوم الاثنين هو اليوم الأكثر فتكاً خلال السنوات الثلاث الماضية. وحتى الآن، فإن الرسالة الوحيدة التي تم إرسالها إلى روسيا وإيران وسوريا هي صمت عاجز. إذا أراد أحد أن يتوقف القتل، فعليه أن يقول ذلك.
عذراً التعليقات مغلقة