نشرت صحيفة “إندبندنت” تقريراً للمعلق باتريك كوكبيرن، يقول فيه إن الهجوم الشديد الذي يقوم به نظام بشار الأسد قد يكون آخر الحصارات في الحرب الأهلية السورية.
ويشير التقرير، إلى أن المعارضة استطاعت السيطرة على الغوطة لوقت طويل؛ بسبب كبر مساحتها، ولأن سكانها المحاصرين كان باستطاعتهم زراعة ما يحتاجونه من طعام، مستدركا بأن قوات النظام شددت الحصار عليها منذ العام الماضي.
ويلفت كوكبيرن إلى الجولة الأخيرة من العنف، التي شملت قصفاً جوياً ومدفعياً، أدى إلى مقتل أكثر من مئتي مدني في الأيام الماضية، مشيرا إلى أن “قوة القصف الذي استخدمت فيه القذائف المدفعية والقنابل والصواريخ كان مكثفا، ولم تشهد المنطقة مثله منذ سنوات، وهو ما يشير إلى عملية واسعة للسيطرة على الغوطة، مثل الهجوم الأخير على شرق حلب، أو أن هناك محاولة أخيرة للتفاوض لإجلاء المقاتلين عن المنطقة”.
وتقول الصحيفة إن حصار الغوطة قد يكون آخر الحصارات الكبيرة التي تميزت بها الحرب الأهلية خلال السنوات الخمس الأخيرة، وجعلتها نزاعا مدمرا، ففي بداية الحرب حدّثت قوات الحكومة استراتيجية مغادرة مناطق المعارضة، وفرض حصار حولها، وتكثيف وجود القوات الموالية للدفاع عن المناطق الموالية لها والطرق الضرورية والأحياء المهمة، وأحيطت مناطق المعارضة بنقاط التفتيش، وتعرض السكان فيها لقصف مدفعي وجوي متقطع.
ويفيد التقرير بأنه كانت هناك مناطق عدة حول العاصمة، التي يعيش فيها حوالي خمسة ملايين نسمة، فبعض الأحياء، مثل داريا في جنوب العاصمة، هجر سكانها وظلت مبانيها قائمة، لكنها متداعية وغير صالحة للسكن، لافتا إلى أن المناطق الأخرى حول العاصمة سويت بالتراب ودمرت، بحيث أن طول أي مبنى من مبانيها لا يتجاوز القدم أو القدمين.
وينوه الكاتب إلى أن الغوطة الشرقية لا تبعد سوى عدة أميال عن العاصمة، وهي منطقة حضرية وزراعية واسعة، يقطنها 400 ألف نسمة، وتعيش منذ عام 2013 حصارا تراوحت شدته من فترة لأخرى، حيث عانت المنطقة من نقص في المواد الطبية والمعدات وقطع الغيار والمواد الكمالية لكن ليس المواد الرئيسية، مستدركا بأن الحكومة شددت في العام الماضي الخناق عليها، وأغلقت الأنفاق التي كانت ممرا للمواد الغذائية والدواء، وبحلول كانون الثاني/ يناير زاد سعر سلة المواد الغذائية الأساسية في الغوطة بنسبة 780% عن السعر المتداول في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة.
وتقول الصحيفة إن “قوات النظام حققت تقدماً ملحوظاً في أنحاء سوريا كلها، منذ التدخل الروسي عام 2015، وشهدت السنوات الماضية سقوط مناطق المعارضة منطقة تلو أخرى، حيث تم نقل المقاتلين وعائلاتهم إلى محافظة إدلب، وأفرغت داريا صيف عام 2016، وهو العام ذاته الذي سقطت فيه حلب الشرقية، إلا أن الغوطة صمدت أمام الحصار؛ لأنها أكبر مساحة، وبسبب مناطقها الزراعية، التي سمحت للسكان بزراعة ما يحتاجون، لكن الجماعات التي تسيطر عليها عادة ما نافست بعضها، ودخلت في مناوشات، ولم تملك استراتيجية لمنع تقدم قوات النظام غير إطلاق قنابل الهاون على حي باب طعمة في دمشق القديمة”.
وبحسب التقرير، فإن الأوضاع المعيشية كانت في تراجع؛ بسبب نقص البضائع، مشيراً إلى أنها حتى عندما كانت متوفرة فإنه لم يكن لدى السكان المال الكافي لشرائها بسبب غلائها، وعندما كانت الحكومة تسمح بدخول المواد الغذائية فإنها كانت تتقاضى رسوما عالية على كل كيلو.
ويورد كوكبيرن نقلاً عن عمال الإغاثة، قولهم إنه لم يمت أحد من الجوع، إلا أن العديد منهم كانوا يعانون من سوء التغذية، لافتاً إلى أنه مع بداية القصف الجوي فإن المدارس كلها أغلقت.
وتبين الصحيفة أنه مع تراجع عمليات الجيش السوري في مناطق سوريا الأخرى، أو انتصاره، فإنه أصبح لديه العدد الكافي من الجنود والطائرات للتركيز على الغوطة الشرقية وإدلب، مستدركاً بأن هناك مواجهة بين نظام الأسد وتركيا في مناطق الأكراد شمال البلاد.
وتختم “إندبندنت” تقريرها بالقول إن “الحرب السورية والعراقية كانتا إلى حد ما حروب حصار، حيث تم نشر أعداد قليلة من الجنود، الذين تم دعمهم من الجو، وكان هذا صحيحاً في العمليات التي تمت ضد تنظيم الدولة، وكان صحيحا كذلك بالنسبة لقوات حماية الشعب الكردية، التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة في طرد الجهاديين من الرقة والموصل، التي حاصرها الجيش العراقي، إلا أن حصار الأخيرة كان الأكثر دموية؛ بسبب مساحة المدينة وشدة القتال، ورفض تنظيم الدولة السماح للمدنيين بمغادرتها”.
عذراً التعليقات مغلقة