لم يكن بمقدور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يتصور سوريا من دون بشار الأسد، فسمح لـ إيران أن ترسخ أقدامها هناك، واعتمد على روسيا لاحتواء ما يمكن أن يمثله ذلك من تهديد، لكن هل نجحت خطته؟
تساؤل رد عليه أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث بجامعة سيانس بو الفرنسية البروفسور جان بيير فيليو، حين حلل الإستراتيجية التي اتبعها نتنياهو في تعامله مع الأزمة السورية.
فنتنياهو -وفق المؤرخ- يتحمل المسؤولية كاملة عن سياسة إسرائيل اتجاه الربيع العربي الذي اندلع عام 2011 إذ إنه في السلطة منذ 2009، وقد اختار بشكل منهجي لعب بطاقة الدكتاتوريات العربية ضد شعوبها، وحرص في ذلك من بين أمور أخرى على الحفاظ على الأسد بالسلطة في سوريا كخيار إستراتيجي اعتبره أخف الضررين، غير أن تلك السياسة تمضت عن هشاشة غير مسبوقة لإسرائيل على حدودها الشمالية.
وأرجع فيليو سبب حرص نتنياهو على الأسد إلى ما ظلت إسرائيل تنعم به من هدوء في مرتفعات الجولان منذ 1974 إذ إن سوريا في ظل الأسد الأب والابن سهرت بصرامة على وقف إطلاق النار الذي أبرم تحت رعاية أميركية وتشرف عليه قوات أممية و”هذا الاستقرار الذي لا يقدر بثمن دفع نتنياهو وحكومته إلى اختيار ورقة الأسد بدل القفز في المجهول الثوري”.
ومن المفارقة أن هذه السياسة الموالية للأسد لم تلن بعد دخول قوات حزب الله اللبناني سوريا لمؤازرة “النظام الدكتاتوري” هناك، بل ظن نتنياهو أن انخراط هذا الحزب الموالي لإيران في الصراع السوري سيبعده عن إسرائيل ويجعله يخرج منهكا بشكل كبير، وفي نفس الوقت نجح نتنياهو في إقناع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بمنع الثوار السوريين من الحصول على صواريخ أرض جو متعللا بأنها قد تستخدم يوما ضد الطائرات الإسرائيلية.
وبهذا يكون نتنياهو -وفق فيليو- قد ساهم بشكل غير مباشر في جعل نظام الأسد يحتفظ باحتكار مطلق للأجواء السورية، الأمر الذي كانت له نتائج كارثية على المدنيين السوريين.
المراهنة على روسيا
وبخصوص روسيا، كان رد فعل نتنياهو على تدخلها المباشر في سوريا منذ سبتمبر/أيلول 2015 إيجابيا، خصوصا أن لنتنياهو علاقات شخصية وطيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطدتها لقاءاتهما الثنائية المتكررة، وقد اتفق الجانبان على ترتيبات عسكرية معقدة مكنت كلا منهما من توجيه ضربات في سوريا دون توتر بين الجيشين.
غير أن الرياح لم تجر بما تشتهيه سفينة نتنياهو، إذ من الواضح أن حزب الله عزز قدراته العسكرية بشكل كبير، في حين عملت إيران على إقامة ممر إقليمي لم يسبق له مثيل يربط بين أراضيها والبحر الأبيض المتوسط. أما نظام الأسد، فقد سمح لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية بالانتشار في حوض اليرموك، ذلك المثلث الإستراتيجي الواقع بين سوريا والأردن وإسرائيل.
وعندما أفاق رئيس وزراء إسرائيل متأخرا من سرابه الروسي صيف 2017، كانت إيران ومليشياتها الموالية قد فرضت أمرا واقعا في سوريا، وعندما تحدث نتنياهو إلى بوتين لتحديد “خطوط حمراء” جديدة يجب احترامها بخصوص الوجود الإيراني بسوريا إضافة إلى القيود المفروضة بالفعل على حزب الله، كان رد موسكو فاترا واعتبرت أن المطالب الاسرائيلية مبالغ فيها.
وبعد التصعيد الأخير الذي شهدته الساحة السورية إثر إسقاط إسرائيل طائرة إيرانية بدون طيار وما تلا ذلك من قصف إسرائيلي لمواقع بسوريا وإسقاط السوريين طائرة إسرائيلية، اتصل نتنياهو ببوتين لكن الأخير اكتفى بالتحذير من مواجهة “خطيرة على العالم أجمع” كما هددت موسكو بالرد في حالة استهداف قواتها في سوريا، الأمر جعل نتنياهو يحجم عن سلسلة أخرى من القصف كان ينوي القيام بها إثر إسقاط السوريين طائرة أف 16 إسرائيلية.
وخلص فيليو إلى أنه: حتى من وجهة نظر إسرائيل، فإن إبقاء الأسد في السلطة -الذي ينظر إليه خطأ على أنه ضمان للاستقرار- لا يؤدي بالفعل إلا إلى تفاقم مخاطر الصراع والتصعيد.
عذراً التعليقات مغلقة