في مطلع العام 2005 كنت أؤدي الخدمة الإلزامية العسكرية في صفوف جيش الأسد بكتيبة تابعة لقوات الدفاع الجوي بمحافظة السويداء، حين اخترقت طائرة إسرائيلية بدون طيار الأجواء السورية ومرت بالقرب من كتيبتنا، وردنا اتصال من قيادة العمليات بعدم إطلاق الصواريخ المضادة باتجاه الطائرة رغم تأكيد قائد الكتيبة لهم بأنها تحمل العلم الإسرائيلي، وسرعان ما أمر قائد الكتيبة عناصره بعدم إطلاق النار على الطائرة.. هي أوامر تجاهلها أحد المجندين الأشاوس وأطلق ثلاث رصاصات من بندقيته باتجاه الطائرة، فكانت كفيلة بزجه في سجن تدمر العسكري وإذلال ضباط وعناصر الكتيبة لمدة اثني عشر يوماً من قبل المخابرات السورية وقد اعترف التلفزيون الحكومي السوري وقتها باختراق طائرة إسرائيلية المجال الجوي السوري وتصويرها مطار خلخلة العسكري واحتفاظ سوريا بحق الرد على حد زعمهم.
أتساءل اليوم؛ وقتها كان جيش الأسد بكامل عدته وعتاده ولم يجرؤ على إسقاط طائرة تصوير إسرائيلية بدون طيار، واليوم في الوقت الذي يتهاوى فيه نظام الأسد مع حليفه الإيراني يقومون بإسقاط طائرة حربية إسرائيلية وإعطاب أخرى!، هم ليسوا بقادرين على تحمل مغبة ما فعلوا ولا يمتلكون القوة اللازمة لمقارعة جيش الاحتلال الذي يتفوق عليهم في كل شيء.
أعتقد أنه في ظل تقاطع المصالح الإيرانية ونظام الأسد مع المصالح الإسرائيلية تبدو ملامح حرب مصغرة تلوح في الأفق تستفيد من نتائجها الأطراف الثلاث؛ فإسرائيل تريد استقطاب متطوعين جدد في الجيش الإسرائيلي حيث تتضاعف أعداد المتطوعين في حالة الحرب، وإيران تريد كسب ثقة الشعب الإيراني المتظاهر وتحسين صورتها المتشوهة في العالم الإسلامي عبر تزعمها محور المقاومة المزعوم ضد الصهاينة، وأما نظام الأسد فيريد أن يؤمن الغطاء اللازم لحقيقة تزعزع جيشه على الأرض واستعادة شرعيته المفقودة في المجتمع الدولي عن طريق مقارعة القوة الإسرائيلية الضاربة.
لا تزال بعض الأهداف من تلك الحرب مبهمة؛ بيد أن رغبة إسرائيل باحتلال باقي محافظة القنيطرة يبدو أقرب الاحتمالات لأن الإسرائيليين روجوا لهذه الحرب منذ سيطرة الميليشيات الشيعية على بيت جن القريبة من حدود الجولان المحتل كما وأن مناوشات النظام المتكررة لإسرائيل في الجولان تعطي الصهاينة مبرراً لاقتحام أراضي محافظة القنيطرة من أجل ضمان أمن حدودهم المزعومة، وينتظر أن تشهد الأيام القادمة تصعيداً إسرائيلياً تتجلى بعدها حقيقة هذه الحرب المزعومة.
قد تعيد هذه الحرب الصغيرة -إن صحت التسمية- إلى الأذهان حرب تشرين المصطنعة التي قام بها حافظ الأسد “على خطى الآباء يسير البنون” في محاولة فاشلة للتستر على أن أحد أهم أسباب بقاء بشار الأسد في السلطة إلى حد الآن هو المحافظة على ضمان أمن ومصالح إسرائيل في المنطقة، وليست هذه الحرب إلا استكمالاً لسلسلة الحروب التي تشنها الدول الأجنبية على الأرض السورية كمعركة “تحرير حلب” التي دعمها الرئيس التركي رداً على الإنقلابيين في تركيا والدول المساندة لهم ومن ثم سحب دعمه للثوار مقابل حصوله من الدول الداعمة للانقلاب على قوائم بأسماء الانقلابيين داخل تركيا، ومعركة “درع الفرات” التي شقت صفوف “جيش الفتح” ومعارك المليشيات الكردية الإنفصالية في شمال وشرق سوريا بمساعدة حليفتها أمريكا ومن ثم رفع الحصانة الأمريكية عن الأكراد في معركة “غصن الزيتون” التي أتت في وقت كانت فيه قوات المعارضة بأمس الحاجة لتوحيد صفوفها في مجابهة تمدد قوات الأسد والميليشيات المساندة له في شمال حماة وشرق إدلب.
Sorry Comments are closed