في إحدى الجبهات الحزينة في مدينتي المعتمة وقف ذاك الشاب خلف جدار حجري حاملاً رشاشاً بيده وبالأخرى شريط الطلقات وحوله القليل من الشجعان.. خاطبه أحدهم “يجب أن نكون حذرين فالشبيحة مختبئين داخل البيوت وهي قرية صغيرة لا نعرف خلف أي باب نجدهم”.
– “هل وصلنا إلى هنا لنختبئ خلف الجدران؟” قفز القائد إلى جدار آخر متقدماً وتابع الشجعان من خلفه.. واصل التقدم.. قذائف كثيرة تنهال حولهم يتوارون عنها خلف الجدران من بيت إلى آخر ولا أثر لشبيحة أو ساكنين.. هل غادر أهل القرية جميعاً؟
رشقات رصاص من خلفهم.. يبتسم شاب ملتحي من خلف قائدهم.. نيران صديقه.. عبر جهاز التخاطب “يا شباب نحن على مشارف القلعة نحتاج تذخيراً وحماية من الخلف.. يأتيه صوت حزين “نحن خلفكم تماماً”.
بقفزات قليلة ووثبات أقل دخل القائد إلى منزل يطل على ساحة القلعة الصغيرة.. تقدم الشجعان ليصبحوا مع قائدهم في غرفة واحدة.. لهذه الغرفة شباك واحد بعكس اتجاه الساحة.. أحدهم يقول “هناك أصوات رصاصٍ في وسط الساحة.. آخر تحدث عن رؤيته لأشخاص في البيوت الغربية (الجهة المقابلة لغرفتهم).
– “يجب أن نفتح ثغرة في هذا الجدار لنرصد حركتهم.. عبر جهاز اللاسلكي جاء الصوت الحزين “أين أنتم لقد فقدنا أثركم”.. ثم خيّم الصمت على الجميع… نحن في هذا المنـز…ل.
يغلق الجهاز وينظر لأصحابه.. “قد يكشف مكاننا ونتعرض للقصف”…
يحمل بيده مطرقة ويبدأ القائد بحفر ثغرة في الجدار.. ضربة اثنتان ثلاثة ها هو ضوء النهار يلج الغرفة -فتحة ضيقة بحجم قبضة اليد- يقترب القائد لينظر منها.. ينفخ هواءً من فمه ليبعد الغبار من أمامه ويقترب بعينه ليتفحص.. يسود صمت للحظات.. ويطول الصمت قليلاً.. “هل شاهدت شيئاً؟” سأله أقرب الشجعان إليه.. ما من مجيب.. يقترب جمع الشجعان من قائدهم بلمسة يد خفيفة يسقط جسده الطاهر على الأرض والدماء تغطي وجهه.. طلقة قناص لئيم حاقد اخترقت عينه لحظة اقترب من الفتحة.. طار صواب الشجعان اندفعوا خارجين إلى الساحة بسلاحهم البسيط وطلقاتهم القليلة ليجعلوا من جنود اللؤم عبرة.. أردوهم جميعاً ومن هرب منهم كان معطوباً في تلك اللحظة.. ارتقى الضابط إلى بارئه شهيداً مبتسماً.. حُمل على الأكتاف ككلّ الشهداء في مدينتي المعتمة..
ليدفن كما دفن قبله المئات من شهداء الحرية والكرامة.
الرحمة لروح الشهيد أنس فياض
عذراً التعليقات مغلقة