شرحت من خلال عدة مقالات في سلسلة “حكاية سوريا” الوضع في سوريا وطبيعة العلاقات السياسية الموجودة فيها (النظام الحاكم والمعارضة) وأوضحت أنها علاقات ما قبل سياسية، علاقات اقطاع سياسي، فالأسد يرى في سوريا مزرعة له، ويرى في المواطنيّن السوريين مرابعين في المزرعة التي تديرها عائلته وعملاؤها، والأحزاب التي تدور في فلك النظام أو المعارضة له لازالت على عقلية الزعامة والفردية والاقصاء، وكل فرد يعتقد بنفسه يمتلك المعرفة الكاملة ويهزأ من مخالفي رأيه وينتظر غودو ليحل القصة السورية.
وغودو هذا يختلف من شخص لآخر، فالبعض يراه في بعدنا عن العبادات وعن تطبيق شرع الله، ويعتقد أن تقصيرنا هو ما ساهم بالعقوبة المحقة من الله سبحانه وتعالى بتسليط هذا النظام “الكافر” علينا، لهذا يجب أن نجتهد بالعبادات والتدين كي يكافئنا الله ويزيح هذه الطغمة القاتلة عن صدورنا، والبعض الآخر يعتقد أن غودو هو التدخل العسكري الأجنبي الذي سيسقط النظام ويجعلهم على السلطة، وفريق ثالث يرى أنه بتجميع عدة آلاف في غرف واتس آب تنتخب من بينها قيادة للثورة، ورابع يرى في الكيان الصهيوني المنقذ، وخامس …. الخ.
الأمر ببساطة أننا حين نتحدث عن إسقاط النظام فإننا نتحدث عن إسقاط عقلية الإقطاع السياسي، التي سيجت نفسها بنظام أمني وعسكري يحميها ويحمي مصالحها من خلال القمع والقتل، النظام القاتل لشعبه المتلاعب بالوطن، المكمم للأفواه، والذي فتح أبوابه لكل شذاذ الآفاق.
هذه العقلية – الموجودة لدى النظام والمعارضة – أوجدت مناخ عام جرّم قول الحق والرؤية النقدية، وشجع على النفاق، وعطل حرية الرأي والتعبير وارتكن للتقليد ومنع البحث والتفكير والإبداع، مناخ جعل رئيس المؤسسة ينزعج من انتقاد مرؤوسيه، ويعتبر أنهم على غلط، ولا يفكر البتة في مناقشة رأيهم، فهو المالك للمعرفة، وتحيط به شلة من المنافقين المجملين لآرائه، المتصيدين لأخطاء زملاءهم، يهاجمون كل رأي يغرد خارج سرب رأيهم، وقد يحرض المنافقون الرئيس على بعض زملاءهم ليبرزوا هم، عقلية أوجدت ثقافة طق البراغي.
أنتج هذا المناخ طبقة طفيلية جمعت ثورات هائلة من خلال قربها من السلطة والقرار السياسي، وانعكست هذه الثروات المجموعة في اختلال فاضح بتوزيع الدخل الوطني، حيث تملك العائلة المافيا التي تدير المزرعة المسماة سوريا وعملاؤها ما يقارب 122 مليار دولار، حسب تقرير نشره موقع “أنفستوبيديا” الذي أضاف إلى تقديراته الأصول الثابتة والأموال المسجلة بأسماء مقربة من الأسد، بينما قدرت مجلة “فوربس” الأمريكية أموال بشار الأسد لوحده بمبلغ 1.5 مليار دولار.
ويزيد هذا المبلغ الضخم عن نصف مجموع كل ميزانيات الدولة السورية منذ عام 1970 إلى عام 2012.
بينما تستحوذ امبراطورية رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد على 60% من الاقتصاد السوري في عام 2010 حسب اعترافه نفسه.
وفي التقرير السنوي للعام 2012 لمنظمة الشفافية الدولية، احتلت سوريا المرتبة 144 عالمياً من أصل 174 دولة من أكثر دول العالم فساداً وتراجعاً في الشفافية المالية والاقتصادية.
مما سبق نرى أن شعار إسقاط النظام لا يعني أبداً إسقاط شخص أو مجموعة واستبدالها بشخص أو مجموعة أخرى، إنما يعني إسقاط نظام كامل متكامل وتغيير منظومة تفكير، وإلا فإننا سنعيد انتاج النظام نفسه معتقدين أننا أسقطناه، ونستبدل استبداد باستبداد.
لهذا لابد من إعادة التجمع على أسس وطنية سياسية، تعتمد الأفكار الديمقراطية، وتحترم الاختلاف، وتكون المواطنة، وليس الدين أو القومية، هي أساس بناء الجمهورية السورية القادمة.
- حكاية سوريا: سلسلة مقالات تستعرض ملامح ورؤى من التاريخ البعيد والقريب لسوريا، يمكن من خلالها فهم أسباب ما يجري من حروب ودمار على أرضنا، حسب وجهة نظر كاتبها.
عذراً التعليقات مغلقة