5 أسباب تكمن وراء خشية روسيا من سقوط النظام الإيراني

فريق التحرير12 يناير 2018آخر تحديث :
صدام بين طلاب ايرانيين والشرطة في جامعة طهران في 30 كانون الاول/ديسمبر 2017 – أ ف ب

إسراء الرفاعي

يرى الباحث والصحفي الحاصل على دكتوراة في العلوم السياسية “أوران بوتوبيكوف” في مقالته في موقع “موديرن ديبلوماكي” أن وجهات النظر الروسية والأمريكية حول التطورات المحلية في إيران انقسمت إلى رأيين مختلفين. حيث أيّد المسؤولون الروس بقوة الموقف الإيراني الذي يدّعي أن الاضطرابات العامة سببها أعداء أجانب للثورة الإسلامية. وذّكر بكلام المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية “علي خامنئي” الذي ألقى باللوم عقب الاضطرابات الأخيرة مباشرة على أعداء خارجيين دون تسمية الدول المعنية .

خامنئي : لقد تحالف أعداء إيران في الأحداث الأخيرة، مستخدمين جميع الوسائل التي يمتلكونها

ويشير “بوتوبيكوف” لملاحظة أن “علي خامنئي” مستخدمٌ نشطٌ في موقع “تويتر” حيث كان أول من نشر ردة فعله على الاحتجاجات القائمة في البلاد على وسائل التواصل الاجتماعية، في الوقت الذي أمر فيه بحظر “تلغرام” و “انستغرام” في البلاد، وإيقاف جزئي للإنترنت. وقال “خامنئي” في تغريدته : ” لقد تحالف أعداء إيران في الأحداث الأخيرة، مستخدمين جميع الوسائل التي يمتلكونها، بما في ذلك المال والأسلحة والسياسة وأجهزة الاستخبارات، وذلك بهدف خلق مشاكل للجمهورية الإسلامية. حيث إن العدو يبحث دائماً عن فرصة وأي فجوة للتسلل وضرب الأمة الإيرانية”.

 

ويوضح “بوتوبيكوف” أن أمين مجلس الأمن القومي الأعلى “علي شمخاني” كان أكثر تحديداً، حين ألقى باللوم على كل من حكومات الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وذلك لتدخلها في الشؤون الداخلية لإيران. ويستطرد “بوتوبيكوف” ليوضح موقف الرئيس الإيراني “حسن روحاني” الذي وصف “دونالد ترامب” بأنه “عدو الأمة الإيرانية من رأسه حتى أخمص قدميه”.

فسّر “بوتوبيكوف” هذه الردود الغاضبة من السلطات الإيرانية أنها جاءت بسبب تصريحات الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” التي قال فيها : “أن الوقت قد حان للتغيير في إيران”، وأيضاً بسبب الوعود التي قدمها نائب الرئيس “مايكل بينس” بأن الإدارة الأمريكية ستدعم المشاركين في الاحتجاجات الإيرانية. وكما يظهر هذا التحليل الذي يقدمه مركز “موديرن دبلوماسي”  فإن النخبة السياسية الإيرانية مشغولة بالبحث عن أعداء أجانب بدلاً من البحث عن أسباب داخلية للاحتجاجات العامة، والقيام بتنفيذ الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية لتحسين مستويات معيشة الشعب، مما يجعلها نموذجاً لدول الاستبداد في العالم .

و يرى “بوتوبيكوف” أن الموقف الرسمي الروسي الذي يدعم الحكم التيوقراطي الإيراني لا يبدو غريباً في هذه الحالة، حيث أن طبيعة السلطة الاستبدادية في كلا البلدين متطابقة. ومن المعتاد أن يتخذ الحكام الاستبداديون أعمالاً قمعية ضد المتظاهرين، والشباب المحتجين، الذين يطالبون بالتغيير السياسي والحريات الدينية والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.

حذّر نائب وزير الخارجية الروسية “سيرغي ريابكوف” الولايات المتحدة من محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لإيران

و أشار إلى أن موسكو كانت أول من يدعم مزاعم طهران التي تلقي اللوم في الاحتجاجات الشعبية الأخيرة على مصادر أجنبية. ومن ثم حذّر نائب وزير الخارجية الروسية “سيرغي ريابكوف” الولايات المتحدة في 4 يناير/كانون الثاني وسط الاحتجاجات العامة في إيران من محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لإيران. مُضيفاً بأن الاحتجاجات العامة في إيران هي شؤون داخلية للبلاد. ويعتقد “نابوكوف” بأن الولايات المتحدة تستخدم الوضع في إيران بكل بساطة عن عمد لمحاولة تقويض خطة العمل الشاملة المشتركة المتعلّقة بالبرنامج النووي الإيراني (JPCOA)، التي لا تحترم واشنطن. كما طالب حزب روسيا الموحدة الحاكم الأمم المتحدة بإيقاف الاستفزازات الأمريكية الموجهة لإيران، وذلك لمنع حدوث سيناريو مشابه ل ليبيا والعراق في البلاد. كما عارض المندوب الروسي الدائم في مجلس الأمن “فاسيلي نبينزيا” بشدة طرح هذا المسألة في جدول أعمال مجلس الأمن في الاجتماع الذي عقد في 5 يناير/كانون ثاني لمناقشة الوضع في إيران. وكالعادة وجدت روسيا بسرعة عدواً خارجياً ممثلاً بالولايات المتحدة.

ناقش الصحفي “بوتوبيكوف” مسألة الدفاع الروسي عن النظام في إيران بشكل موسع، حيث أن السبب في ذلك لا يقتصر برأيه على تشابه النظام الأبوي والاستبدادي بينهما، ولكن أيضاً بسبب أهداف بوتين المتمثلة في استمرار حكمه الفردي والحفاظ على الوضع الراهن. كما أن سقوط النظام الثيوقراطي في إيران نتيجة الاحتجاجات العامة يمكن أن يسبّب آثاراً كبيرة على نظام بوتين، و قد وضح “بوتوبيكوف” هذه الآثار فيما يلي:

أولاً: لا يخفى أن روسيا وإيران هما الضامنان الرئيسيان لنظام الأسد في سوريا. وقد سعى بوتين لكسب الاعتراف بروسيا كقوة عظمى عالمية من خلال المشاركة في العملية العسكرية في سوريا. فقد أصبح الشرق الأوسط حقل اختبار، حيث تحدّت روسيا الولايات المتحدة الامريكية، وذلك لإظهار قوة موسكو بوضوح للعالم الغربي. لذلك استخدم بوتين القوة العسكرية الروسية لدعم نظام الأسد، والذي تعتبره كل من الولايات المتحدة الامريكية، وتركيا، وأعضاء آخرين في حلف الناتو نظاماً فاقداً للشرعية. ولأول مرة في التاريخ شاركت كل من موسكو وواشنطن بشكل مباشر في العمليات العسكرية في ذات الدولة، ولكن على جانبين متقابلين.

ويذكّر “بوتوبيكوف” أن الحرس الثوري الإيراني وحزب الله المدعوم من إيران هما من يؤمنان الانتصارات لنظام الأسد في العمليات البرية، بينما تشن روسيا غارات جوية. وعلى اعتبار أن إيران هي الجهة المانحة الرئيسية التي تزوّد دمشق بالمال حيث تُنفق سنوياً 6 مليار دولار لدعم النظام السوري، ولذلك في حال سقوط النظام الثيوقراطي الإيراني فإن نظام الأسد لن يستمر لفترة طويلة. وستفشل روسيا في الحفاظ على بقاء نظام الأسد من خلال غارات جوية فقط، دون دعم الجيش القوي على الأرض، الذي كان ممكن الوجود بفضل الدعم الإيراني. ولذلك فإن تغييراً كهذا في وضع الشرق الأوسط لن يؤدي إلى تحطيم طموحات بوتين الجيوسياسية فحسب، بل سيزيد الضغط العالمي على روسيا فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية. وقد يؤدي ذلك إلى فرار الجماعات المسلحة المدعومة من الكرملين من “لوغانسك” و دونتيسك” في أوكرانيا.

ثانياً : إن الأجندة الاقتصادية والسياسية التي دفعت الاحتجاجات في إيران للمضي قُدماً، تُشبه إلى حد كبير الأجندة التي يملكها بوتين في روسيا. كما أن كلا البلدين لديه فساد واسع النطاق. وقد أدت العقوبات الاقتصادية إلى تراجع الاقتصاد النيوليبرالي في كلا البلدين مما أدى إلى اجتياح الفقر لملايين من المواطنين الروس والإيرانيين. لذلك يقف غالبية المواطنين في كلا البلدين ضد استخدام مبالغ طائلة لشن حرب في الخارج، كما أنهم يعتقدون أن أموال الميزانية العامة لا تستخدم لتلبية احتياجات الشعب، بل لإرضاء الطموحات الجيوسياسية لقاداتهم السياسيين. وتجلى ذلك في الشعارات الرئيسية التي أطلقها المتظاهرون في إيران “لا غزة ولا لبنان ، حياتي من أجل إيران”، “غادر سوريا، فكر بنا “، “الموت لروسيا”.

ويرى “بوتوبيكوف” أن سقوط النظام الإيراني من شأنه تصعيد نوبة غضب في داخل روسيا ضد الأعمال العسكرية، وهذا بدوره قد يحرم بوتين من فرصة شن حرب مشتركة في “أبخازيا”، “ترانسنيستريا”، “أوسيتيا” الجنوبية، وأوكرانيا الشرقية. ولكن يجب الاعتراف بأن آلة الدعاية التي يملكها الكرملين لا تزال قادرة على التلاعب بالرأي العام وتقليل المزاج الرافض للدور العسكري.

ثالثاً: أثار رسوخ السلطة الحاكمة في روسيا وإيران على حد سواء حتى الآن السخط لدى الشباب. مما دفع الشباب المتظاهر في إيران لرفع شعارات سياسية إلى جانب القضايا الاقتصادية والاقليمية، فصرخوا  “الموت لخامنئي وروحاني”. وقد وجد “بوتوبيكوف” أن التأثير الأكبر بين المتظاهرين كان للشباب المدني الذين كانوا ناشطين في الاحتجاجات ضد النظام الكهنوتي الإيراني في السنوات الأخيرة.

لن يكون التهديد الرئيسي لنظام بوتين من الشيوعيين أو الليبراليين في روسيا، بل سيكون في الشباب المتحمسين الذين لا يخشون الآلية القمعية للسلطات – الصورة عن أ.ف.ب

أما بالنسبة لروسيا فلا يرى “بوتوبيكوف” أن التهديد الرئيسي لنظام بوتين سيكون بين الشيوعيين أو الليبراليين في روسيا، بل إن التهديد يكمن في الشباب المتحمسين الذين لا يخشون الآلية القمعية للسلطات. حيث كان طلاب المدارس الثانوية، وطلاب الجامعات، وعمال المكاتب الشباب، في مقدمة الاحتجاجات ضد الفساد في 2013 – 2017 التي نظمها “أليكسي نافالني”.

إن الشباب الذين واجهوا هجمات الشرطة، قد أصبحوا أقوى أيديولوجياً. ولذلك، فإن سقوط نظام خامنئي يمكن أن يعطي زخماً للشباب الروس والمجتمع المدني بأسره للمطالبة بالتغيير السياسي واستقالة بوتين.

رابعاً: إن سقوط نظام آية الله قد يحرم روسيا من أحد حلفائها الرئيسيين في المنطقة. حيث عُرفت موسكو على مر الأربعين سنة الماضية بنشاطها في انتهاز المواجهات بين طهران والولايات المتحدة لمصالحها الجيوسياسية. وقد استطاعت روسيا الاستفادة من الصراع بين السنة والشيعة، إلى جانب دعم إيران، في تعزيز وجودها السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، ذلك الوجود الذي فقدته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

لهذا يرى الروس حسب تحليل “بوتوبيكوف” أن الإطاحة بالنظام الإيراني سيؤدي إلى بسط الهيمنة الأمريكية ليس على الشرق الأوسط فحسب، بل من الممكن أن تمتد حتى إلى آسيا الوسطى والقوقاز، الأمر الذي لن يكون في صالح موسكو.

خامساً : إن سقوط النظام الإيراني يمكن أن يقود إلى تأثير الدومينو في البلدان التي تخضع لعقوبات اقتصادية دولية. وروسيا تدرك جيداً أنه من المرجح أن تُستخدم العقوبات الغربية ضدها بعد سقوط النظام في طهران، وذلك لإضعاف اقتصادها الوطني حتى تعود إلى شبه جزيرة القرم، وتسحب المتطوعين المسلحين من شرق أوكرانيا.

ولذلك يرى “بوتوبيكوف” أن روسيا تحارب بكل ما أوتيت من قوة من أجل إيران، وتبحث عن أعداء أجانب في الاحتجاجات الجماهيرية في طهران. ويرى أيضاً أن الدعوة المفتوحة لتغيير النظام في إيران من قبل الرئيس الأمريكي “ترامب”، قد يكون لها نتائج عكسية على الرغم من أنها تشجع المتظاهرين. حيث أنها تقدم الفرصة للحكام الاستبداديين في روسيا و إيران للادعاء بأن الاحتجاجات قد تم تنظيمها من الخارج. ومن ثم من المتوقع استمرار موسكو في دعم إيران وإلقاء اللوم على الولايات المتحدة للتدخل في شؤون الدولة السيادية في إيران.

وهنا يقترح “بوتوبيكوف” على الغرب أن يفكر في فرض عقوبات ضد المسؤولين السياسيين والعسكريين والقضائيين في إيران، الذين ينتهكون حقوق المتظاهرين وحريتهم. كما يجب على جامعات الدول الأوروبية والولايات المتحدة أن تفتح المزيد من الأبواب للشباب الإيراني الذي سيصبح راعياً للقيم الديمقراطية، وحرية التعبير، والتسامح الديني، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى تغيير في نظام الحكم الثيوقراطي في إيران.

المصدر موديرن ديبلوماسي- ترجمة حرية برس
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل