شكلت طريقة تغطية وسائل الإعلام المختلفة السورية والعربية والدولية صدمة كبيرة لأنصار الثورة السورية؛ فقد تم تحريف حقائق ووقائع الثورة والتلاعب بها أمام أعيننا جهاراً نهاراً؛ وتم توصيفها بأنها مجرد أزمة سياسية أو حرب أهلية أدت لنشوء التطرف والعنف والطائفية والإرهاب.
شدة الصدمة تأتي من كوننا قد شهدنا الثورة بكل تفاصيلها وشاركنا فيها وكنا شهوداً بالحق لها لا عليها؛ ولأن هناك أكثر مما هو مطلوب من الدلائل والبراهين المتوفرة للتأكيد على نقاء الثورة وأهدافها النبيلة؛ إضافة لوجود كافة الوسائل والإمكانيات الحديثة لتحري الحقيقة والصواب.
على وقع محاولات سرقة الثورة السورية وطمسها؛ بديهي أن يتم الرجوع تلقائياً لاستذكار أحداث التاريخ القريب والبعيد؛ والبحث من جديد في تدويناته ومصداقيتها التي باتت مثار شك وريبة مضاعفة.
ليست العودة لمراجعة أحداث التاريخ ترفاً بحثياً بل هي ضرورة عملية لا بد منها؛ حيث لا تزال تداعيات التاريخ مستمرة وتلقي بظلالها على حياتنا المعاصرة.
جرت محاولات عديدة لإعادة كتابة التاريخ الوطني والقومي بأبعاده الإسلامية؛ لكنها سقطت بشكل ذريع بسبب طغيان الدوافع الإيديولوجية والسياسية؛ إضافة لصعوبة العمل بحد ذاته الذي يحتاج لإمكانيات وخبرات واسعة في العمل النقدي المنهجي؛ ناهيك عن عدم التنوع في المراجع والوثائق البحثية التي بحوزتنا.
لقد عملت الأنظمة العربية الحاكمة على الدوام على تجيير التاريخ والتلاعب بأحداثه واستخدامه لصالح بقاءها وهيمنتها على الشعوب؛ واستخدمت في ذلك وسائل الإعلام المختلفة ومراكز التعليم والثقافة للتأثير على الوعي الجمعي وجعله يقبل بها ويعطيها الشرعية.
وقد مارس النظام السوري عملية تزييف منهجي لأحداث التاريخ البعيد والقريب؛ وحاول إعطاء البعد العلمي على عمله عندما قام بتشكيل لجنة أكاديمية مختصة مهمتها إعادة كتابة التاريخ وفق رؤية جديدة تناسب النظام؛ ورغم مرور سنوات طويلة على عملها إلا أن اللجنة لم تستطع أن تصل لنتائج عملية وبقيت تراوح مكانها؛ لكن النظام كان على الدوام يمارس أعمال التزييف؛ فقد حول انقلاب الثامن من آذار 1963 إلى ثورة شعبية؛ وفعل نفس الشيء بعد ذلك مع انقلاب حافظ الأسد وسيطرته على الحكم عام 1970؛ وتم تحويل توريث الحكم لبشار الأسد إلى انتقال سلس للسلطة عام 2000؛ أما الثورة الشعبية السلمية في آذار 2011 فهي مؤامرة كونية قام بها مندسون وإرهابيون.
لم يحظَ توثيق أحداث الثورة السورية بالاهتمام الكافي من الناشطين أو المعارضين؛ وتم الركون لوجود كافة الوقائع والشهادات حول الثورة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لكن مخاوف ضياع التاريخ وتزويره عادت من جديد مع قيام يوتيوب بحذف الكثير من الفيديوهات التوثيقية لأحداث الثورة السورية؛ يضاف لذلك استمرار تواطئ وسائل الإعلام العالمية ضد ثورة الشعب السوري؛ وفوق ذلك ما ينتجه النظام من أفلام موجهة لإعادة صياغة المشهد السوري وفق رؤيته تحت ستار عاطفي وإنساني.
للحفاظ على نقاء إرث ثورتنا العظيمة للأجيال القادمة ومنع التلاعب بها وتزييفها نحتاج للإرادة والإمكانيات؛ ورغم ظهور بعض المحاولات الخجولة التوثيقية الرقمية إلا أن معظمها قد توقف؛ ولا شك أننا بحاجة للجرأة والصراحة في النقد والتقييم لأحداث الثورة.
نحتاج للبحث عن إجابات لأسئلة مصيرية تتعلق بالتحولات الجذرية التي طرأت على مسيرة الثورة السورية؛ وكيف تحولت من السلمية إلى العسكرة إلى الأسلمة ومن ثم التطرف والإرهاب؛ من يتحمل المسؤولية عن تلك التحولات؟
علينا أن نفهم ونعرف لماذا وكيف أخفق الناشطون؟ كيف ولم ارتهنت المعارضة للخارج وباعت قرارها وسيادتها؟ ولماذا وقف الجميع ضدنا بما في ذلك أصدقائنا المفترضون؟
ربما يرى البعض أن من المبكر الحديث أو التفكير بتأريخ أحداث الثورة؛ وقد يكون ذلك صحيحاً في حال القيام بمحاولات غير ناضجة تعتمد أساليب التخوين والاتهامات؛ ولا شك أن واجب الحفاظ على إرث الثورة ودماء الشهداء يدعونا للقيام بذلك؛ قبل أن يسرقوها منا مرة أخرى.
Sorry Comments are closed