بسام الرحال
في وقت الظهيرة وليس على عادته، دخل صديقي منار إلى مكتبي وفي وجهه علامات تحمل في طياتها أخبار محزنه، فقمت واستعجلته السؤال، “ماذا بك؟”.
فأجاب بصوت متقطع “الآن وردنا خبر موثوق من أحد ضباط النظام أن سمير استشهد في المعتقل تحت التعذيب”. أشاح بنظره عني وقال.. حسبي الله ونعم الوكيل.
أطرقت رأسي إلى الأسفل، سقطت دمعه صامته من عيني، فرجعت إلى مكاني وجلست أمام جهاز الكمبيوتر وأشعلت سيجارة، ورحت أشربها بنهم، أشعل الخبر في قلبي نيراناً كانت أشد من جمرة سيجارتي، ورحت أقلب بصفحات الفيسبوك وأنا لا أعي ما أشاهد، قلت بيني وبين نفسي مستغرباً “سمير يموت؟ كم عذبوك وماذا فعلوا بك حتى استطاعوا أن يخرجوا روحك من جسدك؟”.
وتساءلت مرة أخرى “سمير صديقي المقرب وأخي الذي لم تلده أمي يموت، أيعقل أني لم أعد أستطيع رؤيته إلى الأبد؟”.
“سمير صديق طفولتي ودراستي وشبابي ورفيق دربي بالثورة يموت؟”.
“لماذا مت يا صديقي؟”.
أغمضت عيناي اللتين امتلأتا دموعاً وحجبتا عني رؤية شاشة الكمبيوتر أمامي.
استرجعت بمخيلتي ذكريات وأيام ولحظات جمعتني معه، لحظات كنا بها سعداء.
مواقفنا معاً لا تعد ولاتحصى، فنحن لم نفترق منذ سنين، تذكرت أمي حين كانت تسألني عندما أتي إلى المنزل في الليل متأخراً وتجاوب عني قبل أن أتكلم ممازحة وتقول “أكيد كنت عند حبيبك سمير”، أحسست أن حياتي معه يوم كنا سوياً تعرض كشريط سينمائي أمامي، ثم فتحت عيوني لأكتشف أن هذا العرض قد أعلن نهايته.
مسحت دموعي وعدّلت جلستي، وضعت أصابعي فوق لوحة المفاتيح ورحت أستحضر ماذا سأكتب، فأنا الآن سأنشر خبر استشهاد أعز أصدقائي.
كانت يداي ترتجفان ولم أعد أجد أماكن الحروف على غير عادتي، فأنا أعمل ناشطاً إعلامياً وكتابة الأخبار مهنتي وحرفتي، لكن حزني على من فقدت جعلني حائراً بين الأحرف لا أعلم ماذا أكتب!، فهذا الخبر بالنسبة لي هو مصيبة عظيمة وخطب جلل.
نشرت كلمات أخبرت بها هذا العالم الأصم، أخبرت بها القريب والبعيد، أخبرتهم كلهم أني فقدت أخاً وصديقاً وخليلاً وصاحباً لن تعوضني الأيام بمثله ما حييت، أردت أن أخبرهم أن هذا الخبر هو من قصم ظهري وأظلمت به حياتي وأسودت به صفحاتي، ودعوت ربي أن ينتقم من كان سبباً في موت صديقي.
ولكن ما زاد لهيب قلبي أنني لم أكن أعلم أن يطول بي العمر ويأتي اليوم الذي أعلن به أنا خبر استشهاد سمير .!
فيا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً .!!
عذراً التعليقات مغلقة