عمر الشغري: أكتب عن صيدنايا محاولاً أن أكون طبيباً لنفسي

الشغري يتحدث لأول مرة عن عمليات اغتصاب المعتقلين في صيدنايا

فريق التحرير20 ديسمبر 2017آخر تحديث :
حوار: أنس علاوي

عمر الشغري (22 عاماً) انضم الى صفوف الثورة السورية عندما كان في الخامسة عشر من عمره، اعتقلته أجهزة نظام الأسد سبع مرات لتكون المرة الأخيرة هي سبب ذهابه إلى سجن صيدنايا سيء الصيت.

عمر ابن بلدة البيضا في بانياس، كان من بين 84 شخصاً استندت إلى شهاداتهم منظمة العفو الدولية في تقريرها الأخير عن سجن صيدنايا.

بدأ عمر حديثه إلينا: “سوف تعاني الأمرّين للعثور على سجين سابق في سجن صيدنايا يكون قادراً على أن يسرد عليك ما حصل هناك فعلاً لأن ما يحصل هناك أمر مهين بكل بساطة”.

خلال عامين، قضى عمر جولة على عدة أفرع أمنية، كان سجن صيدنايا نهاية المطاف بالنسبة له حيث مكث فيه عاماً كاملاً،  الاعتقال في صيدنايا هو نقطة تحول تاريخية في حياة أي معتقل يمكن أن يخرج منه حيّاً.

وبقدرة قادر؛ نجا عمر من صيدنايا ليبدأ حياة جديدة ويصبح واحداً من الشباب السوريين المؤثرين ومثالاً في الإصرار والتحدي.

40 سم في الجامعة

تحت هذا العنوان بدأ عمر ينشر تدويناته، متحدثاً عن تجربته الأصعب في حياته، وحول رمزية التسمية يقول عمر: 40 سم كانت مساحتي المخصصة داخل الزنزانة التي اعتبرها بمثابة جامعة، حيث كان بجانبي الكثير من الأطباء والمحامين وخيرة مثقفي البلد ممن أعطوني الكثير مما يملكون، فداخل تلك الزنزانة عشت حياة علمية واكتسبت خبرات حقيقة بعيداً عن أي شيء آخر كان يحدث معنا أو حولنا.

يتحدث عمر في صفحته على فيسبوك (40cm² In The University. ٤٠سم² في الجامعة) عن قصص السجناء وطرق تعذيبهم ويستعرض شهاداته أملاً بإيصال أصوات هؤلاء.

التعذيب

يتحدث عمر حول التعذيب والاغتصاب في واحد من أسوأ السجون في العالم، يقول عمر: كانت تصلني أصوات المعتقلين، إذا لم يكن دوري في التعذيب، كانت الصرخات تأتي كل ليلة من تلك الغرفة البعيدة وكانت تختفي بعد حين ليبدأ العساكر بالصراخ، أحياناً يعيدون من بقي حيّاً، فيما يقوم آخرون بنقل جثث من لقوا حتفهم تحت التعذيب، لنسمع بعدها أصوات سيارات كبيرة جاءت لنقل الجثث، كنت أشعر كلّ ليلة أنني سأكون الجثة التالية.

كان يزورنا أحد أطباء السجن كلّ صباح، ولكن لا فائدة من قدومه، حيث كان السجان يهددنا دائماً بعدم الإفصاح عن إصاباتنا ويقول:  “أي كلب بيجيب سيرة واحد مريض اليوم بدو يموت” فيأتي الطبيب ويعود أدراجه دون أن يجيب على أسئلته واحد منّا.

الاغتصاب

“كان الحراس يأمرون الجميع بخلع ملابسهم والتوجه إلى باب الزنزانة واحداً تلو الآخر”، يتحدث عمر بجرأة حول عمليات اغتصاب السجناء في صيدنايا، ويضيف: كانوا ينتقون أحد الشبان من ذوي البنية الجسمانية الصغيرة أو من هم أحدث عمراً أو من أصحاب البشرة الفاتحة ويطلبون منه الوقوف عند باب الزنزانة، ومن ثم يأمرون أحد السجناء الأكبر سناً بأن يقوم باغتصابه.

يضيف عمر: إذا رفض السجين الضخم اغتصاب السجين النحيل فسوف يتعرض للضرب المبرح ويتم اغتصابه بأداة حادة ومن ثم تركه ينزف حتى الموت.

ويقول: لن يعترف أحد أنه قد تعرض للاغتصاب في صيدنايا، ولكن هذا الأمر تكرر كثيراً وقد يصبح الألم النفسي أصعب من الجسدي، ويضيف: لن يعود الأشخاص الذي أجبروا على القيام بذلك إلى سابق عهدهم أبداً. بعضهم توفي بعد الاغتصاب بعد دخوله بحالة اكتئاب جعلته يمتنع عن الطعام الذي يندر توفره أصلاً.

الإعدام

في يوم الثلاثاء 9-6-2015 جاءني السجّان والعساكر: “عمر .. حاضر سيدي .. إعدام .. حاضر سيدي”.

تم اقتيادي إلى غرفة كبيرة جلست بها لوحدي، يدخل السجانون من حين لآخر منهالين عليّ بالشتائم، قضيت الليلة أجيب على ثمانية وأربعين سؤالاً مختلفاً دون وعي، كل ما كنت أدركه أن الموت ينتظرني، في الحافلة التي اقتادوني بها لتنفيذ حكم الإعدام شعرت بنظرات الجنود كأنهم يريدون أكلي، وصلنا لطريق خالٍ وأخذت وضعية السجود ليقف خلفي الضابط ويبدأ بالشتائم، ومن ثم قال: “لقم .. سدّد” وهنا متّ… استيقظت بعدها لأجد نفسي وحيداً في ذات الطريق خالياً من الدماء فأدركت أني ما زلت حيّاً، بدأت مخيلتي ترسم لي أن هنالك قناصاً سيسدد نحوي حالما أنهض.

حياة جديدة

يصور عمر من خلال كتاباته مشاهد من حياته داخل صيدنايا وباقي الأفرع الأمنية التي اعتقل فيها، ويقول: السبب الأول لكتابتي لهذه المشاهد هو محاولتي أن أكون طبيباً لنفسي يكتاباتي تلك وإفراغ جميع ما في صدري من كلام وصور كنت قد عشتها وعانيت منها، الكتابة تجعلني أشعر بشكل أفضل وقد بدأت تلك الأوجاع تخرج مني.

أما السبب الثاني فإنني أريد لهذا العالم أن يراني سعيداً وقوياً وأني أعمل وأتقدم، حيث بدأت بإلقاء محاضرات عن الإيجابية والتفاعل مما يدفع الآخرين لمقارنة معاناتهم بمعاناتي وهو ما يشكل دافعاً إيجابياً لهم ليستمروا بالابتسام رغم كل الظروف.

بعد أن وصلت إلى السويد منذ عامين استطعت التغلب على كل الأفكار التي كانت تراودني وتجعلني أذكر الرصاصة التي ما زلت أنتظرها حتى اللحظة، حيث بدأت أتحدث السويدية بطلاقة والإنكليزية بشكل جيد، كما أنني بدأت خطوات تعتبر ناجحة عن طريق إلقاء المحاضرات بالمدارس والجامعات عن أساليب التعامل بإيجابية مع مصاعب الحياة واليوم تم ترشيحي لنيل جائزة (Talarforum Talang) وهي جائزة في موهبة إلقاء المحاضرات.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل