يعرف المندوب الأممي المكلف بالمسألة السورية، ستيفان دي ميستورا، أن أربعة أيام لا تكفي من أجل جولة جديدة في جنيف، بعد انقطاع طويل منذ الجولة السابقة التي انتهت في منتصف يوليو/ تموز الماضي، ولم تتوصل، في حينه، إلى نتائج ملموسة، مثل سابقاتها. ويدرك الرجل الذي بات خبيرا بتفاصيل الملف السوري أن التطورات التي حصلت خلال الأشهر الأخيرة على مسار القضية في أستانة تفرض نفسها على جدول أعمال جنيف، ولا يمكن لهذا الاجتماع أن يتقدّم، من دون أن يأخذ بالنتائج التي تحققت على صعيد تفاهمات الدول الثلاث، روسيا وإيران وتركيا، بوصفها الضامنة للحل في سورية.
أربعة أيام، ضاع اليوم الأول منها في المجاملات الدبلوماسية، وتخلف وفد النظام عن الحضور، متذرعا بأن بيان مؤتمر المعارضة السورية “الرياض 2 ” لم يكن وديا تجاه الرئيس بشار الأسد، حينما نص على مغادرته “عند بدء المرحلة الانتقالية”.
وعلى الرغم من أن دي ميستورا أحد مهندسي البيان، وراسمي علامات القراءة بين السطور، فإنه لم يوفر جهدا من أجل إمالة الكفة لصالح النظام، ويعتبر أن هذه الفقرة الخاصة بالأسد لم يكن لها ما يبرّرها طالما أن البيان يتحدّث عن مرجعية قرار مجلس الأمن 2254 الذي وضعته روسيا في نهاية 2015، وهو لا ينص على رحيل الأسد، ويسقط من حسابه هيئة الحكم الانتقالية، ويستبدلها بحكومة وحدةٍ وطنيةٍ بين النظام والمعارضة.
لا القرار المذكور ينص على رحيل الأسد، ولا غالبية هيئة التفاوض الجديدة تطالب بذلك، بل إن منصتي القاهرة وموسكو تعتبران رحيل الأسد غير مطروح للتفاوض، وهما تلتقيان مع وفد النظام على هذه النقطة، ولو أن موضوع رحيل الأسد سوف يطرح على طاولة البحث لَما قبلا الانضمام إلى الهيئة العليا، ويمكن تفسير انخراطهما في اجتماع “الرياض 2” وتزكية بيانه الختامي بأنه جاء بناء على رغبة العرّاب الروسي، وقد كان دور المندوب الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتتيف، أساسيا في بيان “الرياض 2″، حيث حضر كل الاجتماعات، وأشرف، بمعية الطرف السعودي، على وضع البيان الختامي وتشكيلة الوفد، وكشفت شخصياتٌ شاركت في الاجتماعات، وانسحبت لاحقا لأن الأعضاء الذين شاركوا في الاجتماع وجدوا أنفسهم أمام ترتيبات أمرٍ واقع سعودية، ولم يتمكّنوا من التدخل لتغيير جملة في البيان.
يؤكد أكثر من متابع لكواليس المسألة السورية أن جولة جنيف الراهنة ستكون ما قبل الأخيرة، وإذا سارت السفن بما تشتهي الرياح الروسية، ستليها جولة ختامية في الربيع المقبل، تعقب انعقاد المؤتمر الذي باشرت روسيا الاستعدادات لعقده في سوتشي في فبراير/ شباط المقبل، تحت عنوان “مؤتمر السلام السوري”، بعد أن كان اسمه “مؤتمر الشعوب السورية”.
وعلى غرار ما حصل على مسار أستانة، سوف يضع الروس في سوتشي قاطرة الحل السوري على الطريق، بعد أن تفاهموا على العملية مع الدول الضامنة، وحصلوا على تأييدٍ من السعودية ومصر وإسرائيل.
لن ينعقد “سوتشي” قبل أن يتم ترتيب الوضع على الأرض، لجهة إنهاء الوجود المسلح المعارض، سواء بالقوة المسلحة أو حسب تفاهمات التهدئة، وهذا ما يفسر أمرين: استمرار المجازر التي ترتكبها القوات الروسية وقوات النظام والمليشيات الإيرانية. وبموازاة ذلك التسويات التي تجريها روسيا مع بعض الفصائل في محيط دمشق، مثل فيلق الرحمن وجيش الإسلام، كي تنخرط في التهدئة.
قد تكون جولة جنيف الأخيرة في الربيع المقبل مكرّسة من أجل وضع أختام الأمم المتحدة على وثائق الحل الروسي الإيراني التركي، كي تتحول إلى وثائق دولية. وكل من ينتظر أكثر من ذلك لا يأخذ في حسابه موازين القوى.
عذراً التعليقات مغلقة