طارق المليحان – حرية برس:
أفرزت سنوات الحرب ظاهرة انتشار السلاح بين أيدي الناس، فلم يبقى بيت إلا وأصبح لديه قطعة سلاح واحدة على الأقل، في ظل انتشار اللصوصية وقطاع الطرق وعصابات الخطف والابتزاز، لكن ترافق مع هذا الانتشار توسع ظاهرة اطلاق الرصاص العشوائي لأسباب واهية.
كانت ظاهرة اطلاق الرصاص في الافراح والأحزان موجودة بين أفراد الشعب السوري قبل الثورة، لكن مع توسع انتشار السلاح بين الناس في سورية، توسعت هذه الظاهرة بشكل كبير وأصبح اطلاق الرصاص العشوائي في معظم الحالات غير منطقي ولأسباب واهية، وأصبحنا نسمع كثيراً عن “الرصاصات الطائشة” التي تصيب المدنيون والاطفال وتميت بعضهم.
في درعا حمل أبناؤها السلاح، واستخدموه بشجاعة ضد النظام الغاشم الذي شردهم وأعتقل وقتل أبناءهم ودمر بيوتهم، كانت أيادي أهل درعا ترتفع عالياً في الهواء حين يسمعون أصوات بنادق أبنائهم وهي تضرب عدوهم، تدعوا لهم بالنصر والفتح والتأييد، وكان ذلك الصوت يشعل فيهم عزة وعنفوان وإيمان بسوريا حرة لجميع السوريين. أما الآن فسماع أصوات البنادق يعني لهم أمراً آخر مختلفاً تماماً.
لقد أصبح حمل السلاح ثقافة وعادة كما هو حمل الخنجر في المسلسلات الشامية التي نشاهدها على التلفاز، فأصبحت ترى السلاح في الشارع، في المحلات والدكاكين التجارية، في الأفراح والأتراح، في مكان العمل، …الخ في كل مكان تقريباً تشاهد شخصا يحمل البندقية أو يضع المسدس على خصره.
وكثير من حملة السلاح هؤلاء في عمر الأحداث، ولم يبلغوا من العمر ما يؤهلهم لحمله أو إدراك خطورة ما يحملونه ودون أي تقدير من أهلهم وذويهم لما يشكلونه مع تلك الأسلحة من خطر على أنفسهم وعلى غيرهم .
في الصباح ، في المساء، وحتى في ساعات متأخرة من الليل، يرتفع بين الحين والآخر صوت اطلاق رصاص كثيف يقتلع قلوب الأطفال الصغار، فيهرعون إلى أحضان أمهاتهم اللاتي يدخلنهم إلى داخل المنزل خوفاً عليهم من رصاصة طائشة قد تفجعهن بأحد فلذات أكبادهن .
كثيرة هي الحالات التي أصيب أو قتل فيها أحد بهذه الرصاصات في درعا، ناهيك عن الأضرار التي تلحق بالممتلكات العامة والخاصة، فيروي لنا أبو محمد وهو شاب في عقده الثالث من العمر أنه كان مستلقياً على شرفة منزله يستريح من عناء يوم طويل متعب في العمل وسمع صوت إطلاق نار في الحي المجاور لمنزله.. “وهذا أمر اعتيادي ومألوف جداً لدينا” ويتابع أبو محمد قصته: “خشيت على ولدي محمد المستلقي بجانبي فطلبت منه الدخول للمنزل حرصاً عليه فرفض، مما اضطرني للتحايل عليه فطلبت منه جلب كأس ماء للشرب، وبعد دخوله للشقة عدت لأستلقي كما كنت فشعرت بشيء صدم قدمي، واعتقدت في البداية أنه حجر، لكن حين نظرت إلى قدمي فإذ بطلقة مزقت قدمي عند الكعب، وبعد أن أسعفني جاري للمشفى سألت عن سبب إطلاق النار وعلمت أنه حفل زفاف لأحد الشبان”.
وليس بعيداً عن أبو محمد حيث بيته، وقبل شهر واحد فقط يركن أبو علي سيارته ويدخل بيته كالمعتاد ليخرج صباح اليوم التالي ويرى زجاجها الخلفي وقد حُطم تماماً، ويخطر بباله أنها محاولة سرقة لسيارته، ولكن عندما يفتح السيارة، يرى الرصاصة وقد سقطت في المقعد الخلفي بعد أن حطمت الزجاج .
كثيرة هي الامثلة والأحداث من هذا النوع، والتي تدلنا المعطيات والمراقبة للواقع على الأرض بأنها ستستمر وتزداد في ظل غياب أي جهة من شأنها وضع حد لمثل هذه الأفعال التي تشكل خطراً حقيقياً على المدنيين والممتلكات من قبل أشخاص وأسلحة كان من المفترض أن تجلب للسوريين حياه آمنة وتجعلهم ينامون وهم مطمئنين وليس خائفين مذعورين.
فإلى متى سيستمر هذا الواقع وإلى متى سيستمر غياب الجهة الرادعة والمعاقبة لمثل هذه الأفعال؟؟؟
Sorry Comments are closed