سجّلت محاضر جلسات مجلس الأمن الدولي استخدام روسيا حق النقض (الفيتو) تسع مراتٍ، منذ اندلاع الثورة السورية أواسط آذار 2011.
ففي الرابع من تشرين الأول عام 2011، حين واجهَ النظام عبرَ أجهزته الأمنية، المظاهرات السلمية بالعنف، أسفرت روسيا عن موقفها بجلاءٍ، حين عطّلت بالفيتو مشروع قرار دوليّ، يفرض عقوباتٍ على النظام السوري، إذا ما استمرّ في استخدام العنف ضد الشعب السوري.
وقد شاعَ في المحافل والمنابر الدولية حينها، مصطلح “العنف الزائد” أو “العنف غير المبرر” لتوصيف تصرفات النظام السوري في قمع المظاهرات السلمية.
ولم يكن الفيتو الروسي في الرابع من شباط 2012 بأقلّ سلبيةً وتجاهلاً لحقوق الشعب السوري، عندما عرقلَ مشروع قرارٍ حمّل رئيس النظام السوري مسؤولية إراقة الدماء في البلاد، إذ كان النظام قد استفحل في استخدام أنواع الأسلحة كافة، وقصفَ مدينة حمص التي وُصفت بعاصمة الثورة، بغية ضرب الحاضنة الشعبية للثورة وتشتيتها. وقد برّرت روسيا موقفها آنذاك، بذريعة منع الولايات المتحدة والغرب من استخدام القرارات الأممية، وسيلةً للتدخل العسكري في سورية.
وللمرة الثالثة يفاجئ الفيتو الروسي المجتمع الدولي في التاسع عشر من تموز 2012، ليمنع صدور قرارٍ آخرَ في مجلس الأمن، يقضي بفرض عقوباتٍ على نظام الأسد، ولتتذرع روسيا مجدداً، بذريعة منع الغرب من التدخل في سورية.
وقد كان الفيتو الروسي بالمرصاد في 22 أيار من عام 2017 إزاءَ تحصُّل توافقٍ دولي، تبلور في مشروع قرار لدى مجلس الأمن الدولي، يقضي بإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم حربٍ ارتكبها النظام. وكانت الحجة هذة المرة أقبح من ذنب، حين برّر المندوب الروسي قراره، بأن هذا المشروع من شأنه إضعاف فرص الحل السلمي للأزمة السورية.
كما أجهضَ الفيتو الروسي الخامس في الثاني من تشرين الأول عام 2016 مشروع القرار الفرنسي – الإسباني، المتعلق بوقف إطلاق النار في حلب.
ولم يتغير الموقف الروسي حين أحبط في السابع من كانون الأول من عام 2016، مشروع قرارٍ ينصّ على وقف إطلاق النار في حلب، وإدخال مساعدات إنسانية عاجلة إلبها.
وفي الثامن والعشرين من شباط عام 2017، كادَ مشروع قرارٍ بفرض عقوباتٍ على نظام الأسد يمرّ لولا الفيتو الروسي، ومما تضمّنه المشروع حينها، حظر تزويد النظام بطائراتٍ مروحية، وإدراج أسماء قادة عسكريين على القائمة السوداء، لقيامهم بشنّ هجماتٍ بغازات سامة ضدّ المدنيين.
كما عرقلَ الفيتو الروسي الثامن في الرابع من نيسان من العام الجاري 2017 مشروع قرارٍ يطالب الحكومة السورية بالتعاون مع لجنة تحقيق دولية خاصة، بشأن التحقيق حول هجومٍ يُعتقدُ أنه كيميائي في خان شيخون، راح ضحيّته حوالي تسعين قتيلاً بينهم أطفال.
وقُبيلَ أيامٍ كان الفيتو الروسي في الرابع والعشرين من تشرين الأول، تنطّع الفيتو الروسي مجدداً، ليحبط مشروع قرارٍ من شأنه أن يُمدّد لمدة سنةٍ ،مهمة لجنة التحقيق الدولية الخاصة في تحديد هوية الجهات التي تقف وراء هجمات ٍ بالأسلحة الكيميائية في خان شيخون، ولتبرّر هذه المرة موقفها، بضرورة انتظار صدور تقرير اللجنة الخاصة تلك، المقرر صدوره في السادس والعشرين من تشرين الأول عام2017. والجدير ذكره أن تقرير لجنة التحقيق الذي صدر في موعده ذاك، قد حمّل النظام السوري، مسؤولية الهجمات بالغازات السامة في خان شيخون.
إنّ المتتبع لحالات الفيتو الروسي التسع، يتبدّى له جلياً أنّ استخدامها جاء لمصلحة النظام، وليس لمصلحة الشعب السوري.
ففي كلّ مرّة يُستخدم الفيتو، لتعطيل قراراتٍ دوليةٍ من شأنها إيقاف الحرب التي يشنها النظام ضد المدنيين السوريين، أو إصدار قراراتٍ تُدينُ النظام مجرد إدانة، أو حتى تسمح بدخول مساعدات إنسانية للمحتاجين، أو إقامة مناطق عازلة أو آمنة لحماية المدنيين، أو بتعطيل مهمة لجنةٍ دولية فنية مختصة مُشكّلة أصولاً.
ولعلّ من أهمّ الدّلالات التي يبرزها تواترُ الفيتو الروسي على مرِّ السنوات السبع من عمر الثورة السورية هي: أن الروس قائمون بكل جدّيّةٍ على مواقفهم الداعمة بلا حدود للنظام السوري، وأنهم مستعدون لتغطية جميع الجرائم والمجازر التي ارتكبها النظام ولازالَ بحق الشعب السوري، بما فيها جرائم الإبادة، والجرائم ضد الإنسانية، وبالتالي تأمينُ إفلات المسؤولين عنها من العقاب، الأمرُ الذي شجّع النظام على خرق قواعد القانون الدولي، والأعراف الدولية ومبادئ الحق الطبيعي والحرية والعدالة الراسخة في المجتمع الدولي، إذ يرتكب النظام جرائمه تلك، وهو راكنٌ مطمئنٌ إلى أن هناك من يتولى مهمة تغييبِ وتغطية وطمس كلِّ فعلٍ يرتب مسؤوليةً جنائيةً كانت أم، مدنيةً مما يسمح لساسة النظام، وقادته من الإفلات من كل تحقيق يمكن أن يضعهم موضع اتهامٍ مهما فدحت جرائمهم بحق الشعب السوري.
ولعل أنسبَ توصيفٍ يصلح للمواقف الروسية المدجّجة بالفيتو في المرات التسع، هو ما قاله مندوب بريطانيا لدى مجلس الأمن للمندوب الروسي في إحدى جلسات الفيتو تلك.
(إنّ موقفكم هذا يُمثّلُ العار الذي نعرفه عن روسيا في تصرفاتها).
عذراً التعليقات مغلقة