طارق المليحان – حرية برس:
مبتسماً يرفع أبو علاء يده وكأنما يريد إخبارنا بأنه بأفضل حال، لكن الحقيقة مختلفة كل الاختلاف.
أبو علاء مواطن سوري من محافظة درعا، نزح من بيته في مدينة إزرع هو وعائلتة منذ بداية الثورة، حاله حال الكثير من النازحين في درعا، ويسكن حالياً في مدينة الحراك.
قصة أبو علاء تخفي الكثير من الحزن داخلها، بدأت الفاجعة بوفاة زوجتة منذ أربع سنوات إثر نقص الدواء الذي كان يخفف عنها الألم ومعاناة مرض السكري، حزن وتأثر لفراق رفيقة عمره، ولكنه بعزيمة وإصرار وإيمان بقضاء الله وقدرة تمكن من تجاوز محنته، وقرر المضي قدماً في هذة الحياة.
يعيل أبو علاء عائلته المكونة من ولدين؛ علاء (وهو أب لثلاثة أولاد صغار) ومريض بالسكري ويعاني من مشاكل صحية في الكلى لا يقوى على العمل، و(باسل ) الذي لا يتجاوز الخمسة عشر عاماً وهوا بدوره مصاب بمرض أخيه أيضاً.
يتدبر أبو علاء أموره في إعالة أسرته وتأمين الدواء لولديه ويشعر بأنه تجاوز المحنة، لتتسارع الأحداث ويفقد ابنه باسل بنفس طريقة فقدة لزوجته
انفطر قلب الأب المثخن بجراح كثيرة خلفتها سنوات من الشقاء والنزوح والكد والتعب والسعي من أجل جلب (لقمة العيش) لأولاده وأحفاده، عظُمَ مُصاب أبو علاء وجلّ عليه وأصبح أكثر قلقاً من فقدان ابنه الوحيد، خصوصاً أنه أبٌ لثلاثة أولاد صغار، فعقد العزم على عدم الاستسلام وتحلى بإيمان قوي بأن الله لن يتخلى عنه وسيساعده، مردداً دائماً (إن بعد العسر يسرا).
ولكن … مالذي يستطيع شخص تجاوز الخامسة والستين من عمره عمله ليجلب المال المطلوب لإعالة الأسرة وتأمين الدواء المطلوب لولده؟
قرر أبو علاء العمل في بيع مادة الغاز المنزلي للحي الذي يسكن به، على دراجته النارية البالية والتي توشك صورتها تنطق لتروي قصة هذا الرجل، ينطلق أبو علاء كل يوم صباحاً حاملاً معه جرار الغاز الفارغة متجهاً إلى إحدى القرى المجاورة التي تتوفر فيها مادة الغاز، يقوم أبو علاء باستبدال الفارغ منها بالممتلئ ويحملها على دراجته التي بالكاد تقوى على حمل سائقها فكيف ومعه ست أو سبع جرار ممتلئة بالغاز!.
يعود أبو علاء أدراجه حاملاً معه بضاعته اليومية، يمرّ بطرق ترابية وعرة عدة قبل وصولة إلى حيّه، رغم الظروف الجوية من برد وحر يتابع أبو علاء مشواره كلّ يوم. يجوب الحيّ بدراجته باحثا عمّن يشتري منه وقد تتطلب هذة العملية ساعات، يعتبر أبو علاء نفسه محظوظاً إن تمكن من جلب حمولتين من الغاز في نفس اليوم، لأن ذلك سيضاعف ربحه ويزيد دخله الذي بالكاد يصل إلى دولارين يومياً في أحسن الأحوال.
بعد بيع مابحوزتة من مادة الغاز يعود أبو علاء إلى خيمته التي يسكن بها منذ نزوحه وقد هدّهُ التعب وأرهقه، ليستريح قليلاً فيتجمع حوله أحفاده، يلاعبهم ويعطيهم قطعاً من الحلوى كان قد جلبها لهم معه، ويكتشف أن تعبه وشقاءه وتحمله للبرد والحر ومصاعب الطريق وقلة المردود المادي … لم تذهب سدى.
يقول أبو علاء: إن كل ما أعانيه وأشعر به من تعب وألم وحزن … يزول عني بمجرد أن أنظر إلى أحفادي وولدي وقد ارتسمت البسمة على وجوههم بعودتي الى الخيمة.
عذراً التعليقات مغلقة