مدن الريف الشمالي لحمص محررة منذ مطلع العام 2012، خرجت تباعاً عن سيطرة النظام وما زال شبابها يدافعون عن أرضها وعرضها ببسالة, ريف حمص الشمالي بمدنه الثلاثة الأبية الحولة وتلبيسة والرستن التي لطالما روت أرض سوريا بدماء شهدائها.
الرستن التي عُرِفَت يوماً بأنها بركان الثورة وخزان الضباط المنشقين لم تزل على عهدها و ما زال شبابها ينتظرون لحظة توقف القصف ليخرجوا بمظاهرات تطالب بالإفراج عن المعتقلين وإسقاط النظام وهو شغلهم الشاغل.
رغم كل حالات الفساد التي حاولت النيل من شباب الثورة وتغيير مسارهم ورغم كل العيوب الموجودة والتي ظهرت وطفت على سطح العلاقات الاجتماعية إلا أن سكان الريف الشمالي لم يتقبلوا داعش ولا حتى النصرة، ولم يقبلوا أن تحكمهم هكذا تنظيمات، فمنذ تحررهم من سطوة النظام وهذه المناطق حرة بقرارها وبإدارتها وما زال أبناء الريف الشمالي يديرون مدنهم بخبرات شبابها المتواضعة، يصيبون مرة ويخطئون مرات، ولكن كل من يقطن الريف الشمال مقتنع تماماً بأن لا عودة لسقف آل الأسد.. ولذلك فالقصف لم يتوقف منذ التحرير حتى الآن ولم تنجح حتى التمثيليات الهزلية التي قامت بها عصابات الروس في عقد صلح أو هدنة.
أبناء الريف الشمالي كانوا سباقين في التسلح، وكنا كمثقفين نعيب عليهم ذلك، ولكن الأيام التي تلت كشفت للجميع أن إجرام هذا النظام لا يحتاج إلا لمن يقف بوجهه وبقوة، فالعين لا تقاوم المخرز ولا يَفلُّ الحديدَ إلا الحديد.
تجربة جديدة الآن ظهرت في الريف الشمالي وهي تجمع مثقفي الثورة المرابطين على أرضها والذين يعملون بصدق وأمانة، يساندون أبطال الجبهات بعلمهم وعزيمتهم التي لا تفتر.
(تيار المجتمع المدني) تجربة رائدة في المناطق المحررة وتستحق فعلاً أن نقف عندها بكثير من التمعن وأن نسلط الضوء عليها، فهي نواة سياسية ستفرز يوما أشخاصاً يقودون سوريا الحرة.
تيار المجتمع المدني بالتعريف، هو تيار مدني فكري اجتماعي يعمل لصالح المجتمع واستقراره، ويحمل طموحات أبناء المجتمع في مستقبل أفضل بعيداً عن الاستبداد والفساد، وقد طرح التيار ميثاقاً من عدة بنود أقرها المؤسسون وتعاهدوا عليها، ربما فيما بعد تكون أساسا لقانون ينظم عملهم بكثير من التفصيل، لكن من الملاحظ ابتعاده عن أي تشدد ديني أو طائفي، ويؤكد على نبذ العنف بكافة أشكاله واحترام الاختلاف في المجتمع واحترام حق المرأة والتركيز كثيراً على مبدأ التكافل الاجتماعي ومبدأ المساوة، وقد جاء الميثاق باثني عشر بنداً توجت بالتزام التيار بالنظام العام للمجتمع.
وكما جاء في حديث الدكتور “جمال “وهو أحد المؤسسين للتيار بأن التيار تم تأسيسه من ثلاثة عشر عضواً وهم الآن يشكلون المجلس المركزي في حين وقَّع في مؤتمر الإشهار مائة عضو، وفد أُّقر إعادة انتخاب المجلس المركزي كل ستة شهور وكذلك تم تقسيم الأعضاء إلى وحدات بمعدل عشرين عضواً في كل وحدة، ينتخب ممثلاً عنهم يحضر اجتماعات المجلس المركزي.
وكذلك فُتِحَ باب الانتساب للتيار بصفته تياراً لا حزباً ضمن رابط خاص موجود على صفحة التيار على أن لا يُقبل الطلب إلا بموافقة المجلس المركزي وضمن شروط حددت مسبقاً، أحدها أن يُرشح من أحد أعضاء التيار نفسه، وكما ورد في حديث الدكتور، فإن التيار يسعى لتنشيط الفئة المثقفة المغيبة عن الحياة السياسية، كما أكد على عدم تبعية التيار لأي جهة داخلية أو خارجية بل على إمكانيات متواضعة جدا لأعضاء التيار.
حالة التشرذم والشتات التي نعيشها والتنازعات التي شتت القوة العسكرية وكذلك مزقت العقول والأفكار ثم هذا الكم الهائل من التنازعات الإقليمية والعالمية وكذلك تضارب مصالح القوى العظمى، كل هذا جعل من حالنا المتردي والمتهاوي صعباً، والنهوض أصبح شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلاً فعلاً، وكما ثبت فعلاً أن حسماً عسكرياً بعيد المنال فلا بد من البحث عن بدائل، وأن ننتظر قائد فصيل أن يوقع على مذكرة تفاهم في القاهرة أو آستانة أو حتى جنيف لم يعد مقبولاً لآلاف الرجال الذين نشأوا في ظل الثورة، وحتى الأطفال كبروا تحت القصف، فما الحل إذا؟
في النهاية نحن لن نبقى فرادى فلا بد لنا من العمل الجماعي، وإن بقينا كذلك سنذهب إلى زوال …
تيار المجتمع المدني ببساطته هو بداية لتوليد طاقة جَمعية تشحذ الأذهان نحو تشاركية في صنع القرار، أعتقد وبشكل شخصي، أن هذه التجربة مثيرة للاهتمام وهي فريدة في طروحاتها وقد لاقت صدىً واسعاً في أرجاء الريف الشمالي، وهذا رأي الكثير ممن لهم اهتمام بالشأن العام، وربما كانت بداية متواضعة ونواة لتشكيل حزب حقيقي يقود المجتمع فعلا وبطرق علمية سليمة.
كما أعتقد أننا سنسمع في المرحلة القادمة إعلانات كثيرة عن تشكيل نويات أخرى لتنظيمات وتيارات وربما أحزاب حقيقية سيكون المجتمع المدني هو عنوانها الأعلى، وتبقى مهمة المثقفين والقائمين على هذه النويَّات توحيد الرؤى، والأهم تحديد المفاهيم وتوضيح المصطلحات التي سيستخدمونها، وأن لا نترك مجالا فضفاضاً لأي تعبير وبذلك نكون فعلا وقفنا على الطريق الصحيح في هذه المرحلة التي كساها السواد وكسَّرتنا الخيبات.
عذراً التعليقات مغلقة