أكدت مصادر رسمية أميركية وأخرى من المعارضة السورية لـ”العربية.نت” أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقوم الآن بمراجعة لسياسة الولايات المتحدة تجاه الأوضاع في سوريا، وتحاول بذلك وضع تصوّر لـ”الوضع النهائي” هناك.
وأشارت مصادر “العربية.نت” إلى أن وزير الخارجية ريكس تيرلسون ومساعديه في وزارة الخارجية يقومون بعمل أساسي في تحريك مسار المراجعة بين كل وكالات الدولة الأميركية، وقد طلب منها كلها، بما في ذلك وزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات، وضع خطط للوصول إلى الأهداف السياسية والأمنية في سوريا، بما فيها عزل النفوذ الإيراني المتحالف مع نظام بشار الأسد.
الكلام الرسمي الذي يصدر عن الإدارة الآن يأتي بصيغة تكرّر ما قيل من قبل وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية “إن سياستنا كانت وستبقى تقول إن مستقبل سوريا يقرره السوريون بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254″. وأوضح المتحدث لـ”العربية.نت” أن الإدارة الأميركية تدعم مسار جنيف بقوة وتدعم “الجهود الساعية لمشاركة أكبر مجموعة من ممثلي السوريين في هذه المناقشات”.
منع الأسد من السيطرة الكاملة
في معلومات خاصة لـ”العربية.نت”، تشير المحصلة الأولى التي وصلت إليها مجمل الوكالات الأميركية إلى أن بشار الأسد يسيطر مع نظامه على مناطق واسعة من سوريا، ولا يجب أن تسمح الولايات المتحدة للنظام السوري بمدّ سيطرته على كامل أراضي سوريا، خصوصاً أن مد سيطرته الكاملة يعني قمع السوريين الذين انتفضوا على النظام الدكتاتوري في العام 2011، كما يعني تمدّد النفوذ الإيراني على كامل الأراضي السورية.
ويسعى المخططون الأميركيون إلى تثبيت فكرة الحكم المحلي في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية حالياً، مثل مناطق سيطرة الاكراد وقوات سوريا الديمقراطية والتي تمتد من الحدود الشمالية مع تركيا نزولاً إلى منبج والطبقة والرقا، وهي الآن تتجه إلى دير الزور والحدود مع العراق.
متحدث باسم وزارة الخارجية قال لـ”العربية.نت” إن “الولايات المتحدة مع دول التحالف والشركاء المحليين تعمل على الاستقرار في المناطق المحررة”، أما المتابعون للأوضاع على الأرض فيلاحظون أن الولايات المتحدة سعت خلال الأشهر الماضية إلى مساعدة أهالي المدن إلى تشكيل مجالس محلية لتعنى بشؤونها بدون العودة إلى السلطة المركزية، وهي تناقش الآن توسيع فكرة المجالس المحلية ليمتدّ أسلوب العمل إلى مناطق أوسع تشمل المدن وأريافها.
الدول العربية في مناطق المعارضة
يرى المخططون الأميركيون بالأساس أنه يجب توفير الأمن والدورة الاقتصادية في هذه المناطق لتتمكّن من إدارة شؤونها وتسعى واشنطن إلى ضمان هذا الأمن من خلال التوافق مع روسيا على مناطق منع التوتر، كما تريد أن تتلقّى هذه المناطق مساعدات مالية من دول مانحة مثل السعوديةو الإمارات والكويت.
يشدّد الأميركيون كثيراً على نزع الألغام خصوصاً أن تنظيم داعش زرع الكثير منها وستأخذ وقتاً، ويقولون أيضاً إن جهود استعادة الاستقرار تشمل المساعدة على ضمان الخدمات الضرورية بما يسمح للسكان بالعودة إلى منازلهم، ويشمل هذا وصول المياه والعناية الطبية وحتى المساعدات الزراعية.
مواجهة إيران
تشمل الخطط الأميركية لمنع تمدّد النفوذ الإيراني على الأراضي السورية، منع وصول قوات إيرانية والميليشيات الموالية لها إلى جنوب سوريا، والتأكد من عدم دخولها أيضاً إلى منطقة إدلب بعد القضاء على تنظيم النصرة، كما أن الأميركيين يسعون بجهد إلى وصول قوات حليفة لهم من العشائر العربية السنية إلى الحدود مع العراق، لذلك يتمسكون منذ أشهر بقاعدة عسكرية وقوات من المعارضة في منطقة التنف السورية، ومثلث الحدود مع الأردن و إيران، ويريدون الوصول إلى الحدود بين منطقة البوكمال العراقية ودير الزور.
في مقابل منع النفوذ الإيراني، ترى الولايات المتحدة الآن أن الدول العربية، وبالأخص السعودية، تستطيع أن تقوم بدور كبير لترتيب الأوضاع في سوريا، فالدول العربية تستطيع مساعدة أهالي هذه المناطق غير الخاضعة للنظام سياسياً واقتصادياً، فهي من جهة تقدّم لهم بعداً عربياً سنّياً يواجه المد الإيراني، كما تمنع وقوعهم في شعور القهر، وهو شعور يفتح الباب أمام نموّ تنظيمات متطرفة مثل النصرة والقاعدة وداعش فتعود إليهم هذه التنظيمات بأسماء مختلفة بعد أشهر أو سنوات قليلة، كما حصل في العراق مرتين عندما سقط نظام صدام حسين وبعدما انسحب الأميركيون من العراق العام 2011.
روسيا غريم وشريك
يواجه الأميركيون أسئلة كبيرة حول من يتعاون مع من في سوريا، وتبدو الصورة الآن أكثر وضوحاً. فالأميركيون يرون تعاوناً واضحاً من قبل البريطانيين والفرنسيين سياسياً وأمنياً، ولديهم التزامات اقتصادية من قبل الحليفين الأوروبيين لمساعدة المناطق المحررة من داعش والنصرة.
أما روسيا فهي غريم وشريك في الوقت ذاته. فروسيا تريد أن ينتصر النظام لكنها لا تستطيع مساعدته على إعادة السيطرة إلى كل الأراضي السورية، كما أن روسيا ليست مرتاحة بالكامل إلى تمدّد النفوذ الإيراني على كامل أراضي سوريا.
ردّاً على سؤال لـ”العربية.نت” قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية “إننا نتابع العمل مع روسيا، نعمل مع روسيا في مجال عدم الاحتكاك وفي مجال خفض التصعيد، خصوصاً في منطقة جنوب غرب سوريا”.
التفاهم على “الوضع النهائي”
يرى الأميركيون الآن أن باستطاعتهم التعاون مع موسكو للوصول إلى تفاهم حول “الوضع النهائي” في سوريا، وهذا يعني بالنسبة للأميركيين خروج بشار الأسد من السلطة من خلال مسار جنيف والقرارات الدولية التي وافقت عليها روسيا.
أما الوصول إلى هذا “الوضع النهائي” فيتطلّب إعادة هيكلة أو إعادة بناء مجلس للمعارضة السورية تتمتع بتمثيل واسع على الأرض، وتستطيع الدول الداعمة لسوريا أن تقدّم لها الدعم السياسي لتجلس إلى الطاولة، وتتفاوض مع النظام السوري على آلية سياسية.
لا تبدو كل هذه الأمور بعيدة المنال، فالأوضاع العسكرية على الأرض قاربت خواتيمها في سوريا، تنظيم داعش بات محاصراً في رقعة لا تشكل أكثر من خمسة بالمئة من سوريا، وتنظيم النصرة يسيطر على منطقة أصغر من ذلك، ونظام التهدئة يكاد يعمّ المناطق السورية، وتوزيع الخريطة بين الأطراف، معارضة ونظام، بات متكاملاً، وربما يشهد الأسبوعان المقبلان وضع اللمسات الأخيرة على السياسة الأميركية في سوريا، حيث من المنتظر أن يجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع مجلس الأمن القومي ويكون وزير الخارجية ريكس تيلرسون أنهى جولته في المنطقة.
كما من المنتظر أن يبدأ العمل من جديد على إعادة تشكيل مجلس للمعارضة السورية، وقد تأجّل اجتماعها لأخذ مزيد من الوقت وفي إطار السعي لجمع مجلس يمثّل السوريين، ما يعني توافقاً بين أجنحة المعارضة السورية والدول الداعمة لها.
Sorry Comments are closed