حتى تاريخه، ورغم انجلاء كل الضباب عن تجار الثورة، على ضفتيها المسلحة والسياسية، لا أجرؤ على الكتابة، على الأقل، بالحرية التي أكتب بها عن نظام الأسد، أوليس في ذلك جبن؟
وحتى تاريخه، ورغم وضوح مرامي “أصدقاء الشعب السوري” أو معظمهم على الأقل، من تسليح الثورة وحرفها عن سكتها الصوفية عبر المال والمناصب، وخوفهم من تطاير شررها لكراسي عروشهم، لا أجرؤ على تسمية الدول والأشياء بمسمياتها…ألست جباناً إذاً؟
وإلى اليوم، وبواقع اقتسام النفوذ على الأرض، وربما تقسيم وطني سورية، غير المعلن، أعد للعشرة قبل أن أحلل مشهداً، ربما واضحة أهدافه، يخص هذه الدولة أو تلك، فهل هذا تريث واتزان، أم جبن؟
قصارى القول: ربما لم تفعل ثورة بالعالم، بما فيها الفرنسية التي غيرت من معالم القارة العجوز، كما فعلته ثورة السوريين، إن لجهة تعرية الأحزاب المناضلة، من يسار ووسط ويمين، أو منظمات إنسانية وحقوقية، بل وحتى دول لبست شعارات الحرية والديمقراطية عبر عقود، وادعت أن أهدافها نشر الديمقراطية والعدالة بين الشعوب.
كما لم تكشف ثورة عبر التاريخ ربما، كما الذي أظهرته الثورة السورية، لناحية تغليب أطماع الدول على حساب دم وقهر الشعوب، رغم أن ذلك ليس من السياسة والمصالح بشيء، كما يحاول بعض المتفيقين تسويقه، فثمة اختلاف وشاسع، بين المصلحة المشروعة للدول وبين تحقيق تلك المصلحة عبر إماتة شعب وتغيير معالم جغرافيا وتعاط إنساني وحقوقي، سرى وإن نظرياً عبر عقود، بل كان أحد أهم مبررات نشوء منظمات وإحداث هيئات وجمعيات دولية.
بيد أن هذه الثورة، وعلى عظمتها وعظمة نتائجها، والتي ربما بعضها إلغاء الأبدية وحكم الأسد المستمر بسورية، لم تعرف لكسر حالات الخوف من دواخل جلّ السوريين.
وقد يكون مبررُ “أننا تربينا على الخوف لعقود بظل الأسد ونحتاج لمثلها لنتحرر من عقدنا ومخاوفنا” لم يعد مقنعاً، على الأقل، لمن هم بالخارج ومنذ ست سنوات، ويطالبون العالم والشعوب، بالجرأة وإنصاف السوريين، لأن مناخات الحرية التي يعيشونها بمهاجرهم ولسنوات، من المفترض أنها غسلتهم من بقايا درن تنشئة الأسد ومنطلقات حزب البعث القائد.
إلا أن ثمة تنشئة أخرى، تتباين بين هذا وذاك، أو بين المقيم بدول الخليج أو أوروبا أو تركيا، طبعته بملامح جديدة، لا يمكن وصفها بغير الخوف، وإن كانت مصلحته دافعها…. فمن لم يخف على مصلحته بسورية وثار على الظلم والخوف والاستبداد، من غير المبرر أن يخشى على رزقه وبقائه بدول لجوء مؤقتة، ربما تستفيد من الصمت.. أو قد تتاجر به.
نهاية القول: لجهتي ولئلا أوزع الاتهامات وأنسى نفسي، حتى تاريخه آتي على المنتفعين من الثورة من بعيد، فلا أشير بالأسماء لمن بات “أستاذاً أو سياسياً أو إعلامياً” وهو لا يمت للإعلام قبل الثورة بصلة، بل وربما لم يقرأ كتاباً سياسياً أو يحضر اجتماعاً واحدا حتى عام 2011.
كما آتي مواربة على من تبوأ مواقع قيادية، سياسية وعسكرية ووظيفية، وهو يعلم، ويعلم أننا نعلم، لا مبرر لوجوده، سوى الارتباط مع هذا الشخص أو هذه المنظمة أو تلك الدولة.
وتكتمل مشاهد جبني، بعدم جرأتي وحتى تاريخه، على تسمية من يقتل أهلي بالداخل بأسمائهم، أو للفصائل والتنظيمات التي يتبعون لها.
ابن عمي فارس، أول من صرخ وخرج للثورة بنيسان 2011 وقاد أول مظاهرة بسرمين، تطالب بإسقاط الأسد، تم قتله وقتل أخيه باسم، وحرقهما بسرمين “ريف إدلب شمال غرب سورية” وكذا تم قتل أخيه بسام الذي تم تفخيخ سيارته ليموت وزوجته أثناء آذان الإفطار برمضان قبل الفائت، وغيرهم كثيرون. لكني أكتب عن قتلهم بالترميز ومن بعيد.
وتأتي مبرراتي على الدوام، أن إشارتي للقتلة بأسمائهم أو تنظيماتهم، قد ينعكس سلباً على أقربائي وأهلي المقيمين حتى الآن بالداخل، الذي يسيطر عليه القتلة وباستقواء السلاح. وقولي وتسميتي، وفق تبريراتي، تأتي من باب ادعاء البطولة على حساب غيري وربما حياته…فهل تبريري ينضوي بخانة عدم التهور والحرص على حيوات الآخرين…أم تراه الجبن بعينه؟
وإن كان تبريري مقنعاً للبعض، فهل من “بعض” يقتنع بتبرير غيري، وإن كان ما يسوقونه مالياً ونفعيّاً مؤقتاً، ادّعوا خلال لبسهم ثوب الثورة مقلوباً، أنهم ثاروا لتحقيق العدالة الاجتماعية وحسن توزيع الفرص، على المنتفعين وسراق فرص الآخرين الأكفاء.
عذراً التعليقات مغلقة