سوريا.. المعركة الأخيرة

فراس علاوي12 سبتمبر 2017آخر تحديث :
سوريا.. المعركة الأخيرة

يبدو أن سياق الحرب في سوريا يسير نحو مراحله الاخيرة، وقطار الحل يسير ببطئ نحو محطة التسوية.

الواقعية فرضت نفسها على الملف السوري، فحالة اللا نصر واللا هزيمة السائدة منذ منتصف العام 2013 مع اعتبار أن تقدم قوات نظام الأسد هي عمليات عسكرية روسية تخدم المشروع الروسي وليس مشروع النظام، مع ضرورة التمييز بينهما فالنظام يعمل على بقائه في السلطة دون النظر إلى أي حل آخر ومهما كانت الخسائر من الطرفين لكن الروس يدركون أن بقاء النظام بشكله الحالي لن يحقق مصالحهم التي يبحثون عنها في سوريا.

روسيا التي عادت بقوة للمشهد الدولي في سوريا لن تخسر مكتسباتها من أجل الحفاظ على الأسد، كذلك الأمريكان الغارقون في خلافات ومشاكل داخلية لن يتعبوا أنفسهم في البحث عن حل بوجود الروس في المنطقة وتوغلهم في المشروع السوري حتى آذانهم.

الروس نجحوا في فرض رؤيتهم للحل، والأمريكان قبلوا هذه الرؤية والتي تقوم على إيقاف المعارك وتجميد الجبهات وترك الأمر على ما هو عليه ووضع قوات فصل بين مناطق الاشتباك والتفرغ لقتال داعش في معقلها الأخير في دير الزور، وهو ما جعلها تصل لاتفاق مع الأمريكان حول طبيعة المعركة واستراتيجيتها القادمة، بل ونجح الروس في إشراك قوات نظام الأسد في تلك المعركة ضمن تفاهمات معينة تم الوصول إليها مع الأمريكان حين ضحى الأمريكان بمطلبهم برحيل الأسد مقابل تخلي الروس عن حلفائهم الايرانيين.

المعركة الأخيرة في سوريا ستكون ضد الفصائل التي تحمل فكر القاعدة، بعد التفرغ من قتال تنظيم داعش في ديرالزور، حيث سهل الروس عملية تجميع الفصائل في إدلب، كذلك فإن ما تمارسه (جبهة النصرة سابقاً) باختلاف تسمياتها حالياً، يخدم المشروع الروسي الذي يريد خوض آخر حروبه في سوريا لعدة اعتبارات، أهمها التكلفة الباهظة للتدخل الروسي بشكليها المادي والبشري رغم عدم اعتراف الروس بكثير منها، وكذلك الحفاظ على ما وصل إليه الروس من مكتسبات سياسية أعادتهم لواجهة القرار السياسي الدولي تحسباً لأي عودة للغول الأمريكي، أو ظهور معطيات جديدة قد تقلب الطاولة عليهم.

تقاسم الأدوار بين الأمريكان والروس في سوريا بدا واضحاً بل ويزداد وضوحاً يوماً بعد يوم، ففي حين تكفل الروس بعملية المصالحات وتشتيت الجبهات وتجميدها وبالتالي إنهاء الصراع السوري السوري وتحويله لحرب على الإرهاب وفق الرؤية الروسية التي تعتمد على الحفاظ قدر الإمكان على المؤسسات السورية الموالية لها مع إجراء عمليات مراجعة وتنقيح لها بما يخدم المرحلة المقبلة، وبالتالي مزج تلك القوى مع بعضها في توليفة جديدة بعيداً عن سيطرة نظام الأسد وحلفائه الإقليميين والذي يرى الروس أنهم يقفون عقبة في وجه الحل والاستقرار في سوريا من جوانب عدة، خاصة الايرانيين الذين يختلفون مع الروس في سبب القتال في سوريا، ففي حين هدف الروس هو الحفاظ على مصالحهم الاستراتيجية واستخدام الملف السوري كورقة ضغط على الأمريكان والأوربيين، يقاتل الإيرانيون من أجل مشروع توسعي يخدم فكرة قيام الهلال الشيعي الذي يهيئ لقيام دولة فارسية على أساس قومي.

الأمريكان وبعد عودتهم للملف السوري توصلوا لقناعة أن الحل العسكري هو حل غير واقعي وبالتالي لابد من الوصول لحل سياسي لا يوجد فيه رابح أو خاسر، ويبدو أنهم تركوا للروس حرية اختيار شكل الحل مع اشتراطهم رحيل الاسد في النهاية، وبذات الوقت ركزوا عملهم على المنطقة الشرقية من سوريا والحدود العراقية السورية لتكون بوابتهم للعودة للعراق وفق الاستراتيجية التي طرحها ترامب حول الخروج الخاسر من المنطقة، ووعوده بالاستفادة من المنطقة وجعلها تدفع فاتورة التدخل الأمريكي، فنفط العراق مغر، ويسيل له لعاب ترامب، ولتأمينه يجب تأمين العمق الاستراتيجي للعراق، وخاصة مناطقها الساخنة غرب العراق، حيث مناطق الرمادي ذات الغالبية السنية الحاقدة على الأمريكان والحكم في العراق، وكذلك قربها من الشرق السوري الذي يعد مكملاً لها، لذلك للسيطرة على تلك النقطة لابد من السيطرة على عمقها الاستراتيجي مع الأخذ بعين الإعتبار نفط المنطقة الشرقية أيضاً.

الخلاف يبدو أنه انحصر مع القوى الإقليمية والتي يبدو أنه تم تهميشها في الاتفاق الروسي الأمريكي، ما استدعى تحركاً تركياً إيرانياَ لاستدراك هذا التهميش من خلال الاتفاق حول إدلب، والتي تشكل البؤرة الأخيرة للقاعدة (حسب التعبير الغربي) في سوريا، وبالتالي العودة للوضع السوري من خلالها، هذا التقارب الذي بدا بالتصريحات المتبادلة بين الطرفين وبالزيارات المتبادلة خاصة القادة العسكريين والتجضير لعملية إدلب المشتركة بين الدولتين الإقليميتين هو رسالة للقوى العظمى بأن أي حل لابد أن يمر من عاصمتيهما.

الأمريكان لا يرغبون بتكرار الأخطاء التي ارتكبوها بالعراق حين سلموا العراق لإيران، والروس لا يريدون التضحية بتقارب واتفاق مع الأمريكان من أجل حليف كإيران لا يخدم مصالحهم الدولية، بل على العكس يشكل عبئاً عليهم خاصة أنه مرفوض دولياً.

إدارة الصراع في إدلب ستكون مختلفة، وقواعد الاشتباك قد تشهد تغيراً كبيراً وملحوظاً، وكذلك التحالفات، في ظل تراجع خليجي واضح وتقدم لدور مصري مدعوم من روسيا والذي على ما يبدو سيكون بديلاً عن الدور الإيراني في المنطقة.

هي المعركة الأخيرة قبل رضوخ الجميع لحل يقوم على قاعدة الجميع خاسر، لا غالب ولا مغلوب سوى الشعب السوري بكل أطيافه.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل