ابراهيم صالح – حرية برس:
شكّلت منطقة ريف حلب الشمالي الشرقي ومُنذُ مطلع العام الحالي2017 ، بعد تحريرها من تنظيم داعش، في إطار عملية (( درع الفرات )) ملجأً لآلاف النازحين من مختلف المناطق الداخليّة في عموم سوريا، وخاصة المناطق الشرقيّة التي تشهد حرباً على التنظيم، ونتيجة عودة الأمن لهذه المناطق عادت ملامح الحياة إليها من تأمين أساسيات العيش.
ولاريب في أن تأمين مياه الشُرب للمواطنين شكلت أولوية لدى الجهات العاملة على تخديم هذه المنطقة، حيثُ تعرضت محطات الضخ للتخريب نتيجة عمليات القصف وسرقة المولدات اللازمة لتشغيل المضخات .
ومن خلال عمليّة مسح ميدانيّة لآلية تزويد هذه المنطقة بمياه الشرب، نجد بأن المنطقة تعتمد بشكل رئيسي على المياه الجوفية (الآبار) وذلك عبر محطات ضخ محلية، فكل مدينة مرتبطة ببئر ارتوازي تقوم بضخ المياه عبر شبكات الى خزانات التعقيم والتوزيع الرئيسية، وتشرف على إدارتها وتشغيلها دائرة المياه في المجالس المحلية، وهذه آلية معتمدة في كل من مراكز التجمعات الرئيسيّة من مدينة اعزاز إلى مارع واخترين والراعي وضواحيها.
وقد قامت المجالس المحليّة في هذه المدن بالعمل على إعادة تأهيل تلك المحطات، والشبكات المنزلية المسؤولة عن إيصال المياه من خزانات المدن الى منازل المواطنين.
وبتجولنا في تلك المناطق ورصد واقع مياه الشرب فيها التقينا بعدد من الأهالي الذين شرحوا واقعهم مع مياه الشرب، حيث تحدث إلينا المواطن “ياسر نجار” من قرية صوران صاحب أحد صهاريج المياه قائلاً: أصبحت مياه الآبار هي المصدر الرئيسي لتأمين حاجات الأهالي من مياه الشرب والأغراض المنزليّة، وحالياً انخفض الطلب بعض الشيئ نتيجة إعادة تشغيل محطات الضخ العامة المرتبطة بالشبكة العامة للمياه .
ولدى السؤال عن سلامة المياه والتأكد من خلوها من الملوثات أجاب السيد ياسر: حقيقةً يتم ضخ المياه من الآبار كما هي دون أي تحليل أو تعقيم، وهي بحالة جيدة, حيث طبيعة الأرض الصخريّة هنا، وبُعد البئر عن شبكة الصرف الصحي، فالماء التي يتم ضخها هي نقيّة ولاتوجد لها رائحة أو لون أو طعم يجعلنا نشك بأنها ملوثة .
فيما تفتقر جميع المخيمات – والمنتشرة بكثرة في الريف الشمالي – إلى مياه الشرب عبر الشبكات ويتم تزويدها عن طريق الصهاريج التي تقوم بتعبئة خزانات بلاستيكيّة موزعة بين المخيمات وتفتقر هذه الخزانات لوسائل السلامة الصحيّة وبالانتقال إلى مدينة الباب نجد المعاناة بشكل أكبر، حيث كانت مدينة الباب وضواحيها تعتمد في مياه الشرب على القناة القادمة من نهر الفرات عبر محطة ضخ (عين البيضة) الواقعة على بعد 15كم إلى الجنوب من مدينة الباب، والتي توقفت بعد سيطرة نظام الأسد عليها في بدايات العام الحالي واتبعها بالسيطرة على محطة الخفسة الرئيسيّة على نهر الفرات، مما جعل الحاجة إلى تأمين مياه الشرب تُشكل أولوية لدى المواطنين والجهات المحليّة.
كما شهدت المدينة التوجه نحو حفر الآبار بطريقة عشوائية، وضمن المدينة التي تعاني أصلاً من تخريب كبير بشبكة الصرف الصحي مما يشكل خطورة أكبر بتسرب المياه الملوثة إلى هذه الآبار التي تستخدم للشرب، مما سبب الكثير من حالات التسمم التي تشهدها المدينة، الأمر الذي دفع الجهات المسؤولة إلى مواجهة ذلك بالبحث عن بدائل صحية وسليمة وهذا ماقامت به لجنة إعادة الاستقرار .
حيث ذكر السيد منذر السلال رئيس لجنة إعادة الاستقرار لحرية برس: إن اللجنة في إطار سعيها لتأمين أساسيات الحياة في منطقة درع الفرات، ومن ضمنها مياه الشرب وذلك بالتعاون مع المجالس المحليّة ، فقد قامت اللجنة بتزويد 24 مركز ضخ مياه في المنطقة بالمولدات الكهربائيّة اللازمة لعمل المضحات، كما قامت اللجنة بدعم 19 محطة بالنفقات التشغيليّة كاملةً وذلك لمدة 6 أشهر وذلك إلى حين تمكن المجالس المحلية من تفعيل نظام الجباية لتغطية تكاليف استمرار تزويد المدن والقرى بمياه الشرب ،كما قامت اللجنة بإقامة وحدات للتحليل والتعقيم للتأكد من سلامة المياه وخلوها من الملوثات حيث قدمت اللجنة محطتي تنقية وتعقيم في كل من مدينة الباب وتليل الشام .
ويصل متوسط استهلاك العائلة من مياه الشرب ولأغراض النظافة المنزليّة حوالي 3 براميل يومياً، فيما يبلغ متوسط سعر البرميل الواحد 200 ليرة سورية أي مايقارب نصف دولار أمريكي، فيما قامت دائرة المياه في المجلس المحلي لمدينة الباب باستثمار محطة فلترة المياه التي قدمتها لجنة إعادة الاستقرار، حيث تقوم الدائرة بتوزيع الماء للفقراء وعوائل الشهداء بالمجان ويبقى مصدر مياه الشرب الرئيسي في المدينة عن طريق قناة الجر عبر محطة عين البيضة معطل بسبب عدم قيام الهلال الأحمر العربي السوري والجهات المسؤولة في المعارضة بالتوافق على صيغة عمل حقيقية، والتي يتم من خلالها تزويد المدنيين بمياه الشرب التي يكفلها لهم القانون الإنساني الدولي وكانت هناك أصوات بهذا الاتجاه لكن لم يَرِد لها أي صدى على واقع القلوب العطشى للمدنيين حيث ذَكَر المجلس المدني في مدينة الباب قدوم ممثل للهلال الأحمر العربي السوري ووعد بإعادة ضخ المياه ووافق المجلس على هذا المقترح لكن ممثل الهلال الأحمر ذهب ولم يعد وفق ماذكره بيان المجلس المحلي .
ولاتختلف مدينة الراعي عن بقية المدن، فهي كذلك تعتمد على مياه الآبار ويوجد أكثر من بئر رئيسي في البلدة مرتبط بالشبكة العامة ويتم الضخ عبر فترات متقطعة لكنها وكما عبر الأهالي فهي تكفي لتخزين حاجتهم من مياه الشرب. فيما واقع مياه الشرب في مدينة جرابلس في أقصى الشمال الشرقي للريف الحلبي يكاد يكون هو الافضل لسبين – القُرب من نهر الفرات – القُرب من الحدود التركية حيثُ قامت الحكومة التركية بتزويد المدينة بمحطة ضخ ومولدة كهربائية، كما يوجد محطة ضخ وتعقيم مياه رئيسيّة على نهر الفرات يقوم المجلس المحلي في جرابلس بالتعاون مع الجانب التركي على إعادة تشغيلها وصيانة الشبكات الداخليّة في المدينة، ويتم ضخ المياه من خلال بئر ترشيحي يقع إلى الشرق من مدينة جرابلس على ضفة نهر الفرات، كما قامت لجنة إعادة الاستقرار بإعادة تفعيل محطة مياه ناحية الغندورة إلى الغرب من جرابلس، فيما لايزال ريف المدينة يشارك بقية الريف ذات المعاناة واستجرار مياه الشرب عبر الصهاريج.
ومن مجمل ما لاحظناه من واقع المياه، نستطيع القول أن جميع ماقامت به الجهات المحلية في هذا الإطار وخاصة لجنة إعادة الاستقرار هو عمل ترك أثراً طيباً، لكنه بالنتيحة حالة إسعافيّة لايمكن الاعتماد عليها على المدى الطويل، لأن ذلك سيؤدي بعد وقت ليس بالبعيد الى إستنزاف المياه الجوفية، مما يجعل إقامة مشاريع استراتيجية لمياه الشرب في هذه المنطقة ضرورة ملحة، والعمل على الاستفادة من جميع الخبرات الوطنية للنهوض بهذا القطاع، ومن المشاريع التي ممكن العمل عليها هي قناة جر من نهر الفرات، وذلك عبر خط جر ومضخات مرحليّة وهذا يحتاج إمكانات تفوق قدرة المجالس المحلية، وكذلك الاستمرار في صيانة الشبكات مما يقلل من الفاقد نتيجة التسرب في شبكات الضخ كما تم وضع آلية مستقبليّة تعتبر إدارياً خطوة جيدة وهي وضع نظام جباية لقيمة المياه بقيمة منطقية تتوافق مع الحالة الاقتصاديّة للمواطنين، وذلك لضمان استمرار عمل محطات المياه ونفقاتها التشغليّة في حال توقف الدعم الخارجي .
عذراً التعليقات مغلقة