خلط وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان، أوراق سياسة بلاده تجاه سورية، وخرج يوم الجمعة بتصريح يختلف كليا عن كل التصريحات التي صدرت عنه وعن رئيس الدولة، إيمانويل ماكرون، في ما يتعلق برئيس النظام السوري بشار الأسد، وقال إنّ الأخير “لا يمكن أن يكون الحل”، رافضاً بقاءه في المرحلة الانتقالية.
وشكّل تصريح لودريان مفاجأة، كون مواقف وزير الخارجية ورئيس الدولة الفرنسية ماكرون منذ حوالي شهرين التزمت السير على خط واحد، وأكدا أنهما لا يريان “بديلا شرعيا للأسد”، وأن “فرنسا لا تعتبر رحيل الأسد شرطا للتفاوض” مع النظام السوري.
وقال لودريان، لإذاعة لوكسمبورغ الجمعة، إنّه “لا يمكن أن نبني السلام مع الأسد. لا يمكنه أن يكون الحل. الحل هو في التوصّل مع مجمل الفاعلين إلى جدول زمني للانتقال السياسي يتيح وضع دستور جديد وانتخابات، وهذا الانتقال لا يمكن أن يتم مع بشار الأسد الذي قتل قسماً من شعبه”.
جاء تصريح الوزير الفرنسي بعد زيارته إلى العراق، وانعقاد المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين في نهاية الشهر الماضي، وعقب خطاب الرئيس ماكرون أمام مؤتمر السفراء الذي أعلن فيه أن فرنسا ستعلن تشكيل “مجموعة اتصال” جديدة حول سورية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثلث الأخير من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي. وحسب أوساط فرنسية مطلعة، فإن التغير الذي حصل في الموقف جاء بفعل النقاشات التي شهدها مؤتمر السفراء حول السياسة الخارجية، ولم يكن قبل ذلك، لأن الوزير سبق له أن كرّر في بغداد يوم 26 أغسطس/آب خلال لقائه مع نظيره العراقي، إبراهيم الجعفري، المواقف السابقة التي صدرت عنه وعن ماكرون، وقال إن “باريس لا تطرح رحيل الرئيس السوري بشار الأسد شرطا مسبقا، إنما ترى أولويتها في الحرب على تنظيم داعش في الأراضي السورية”.
جاء الضغط بضرورة إجراء مراجعة سريعة في السياسة الخارجية الفرنسية من داخل مؤتمر السفراء الذي شهد انتقادات حادة لسياسة ماكرون التي وصفها بعضهم بأنها “سطحية وخالية من العمق، ولا تدرس مصالح فرنسا جيدا، ولا تمتلك تقديرا دقيقا للأزمات”، وجرى ضرب مثال على السطحية الاجتماع الذي نظمته باريس، في يوليو/تموز الماضي، بين رئيس حكومة الوفاق الليبي فايز السراج وقائد جيش حكومة طبرق اللواء خليفة حفتر، والذي أسفر عن اتفاق لم يصمد أكثر من 24 ساعة، وسبب ذلك انتقادات واسعة للدبلوماسية الفرنسية المعروف عنها عادة أنها لا تتعامل بهذه الخفة مع أزمات معقدة.
ويتركز النقد على سياسات ماكرون تجاه سورية، والتي حاولت التماهي مع الموقفين الأميركي والروسي، حيث اعتبر أولا أن الأولوية لمحاربة داعش وفق ما سارت عليه إدارة الرئيس دونالد ترامب، وثانيا أن رحيل الأسد ليس شرطا مسبقا للتفاوض، وهو ما تتمسّك به موسكو منذ بدء عملية جنيف في 2012، وتريد منه فعليا إعادة تأهيل الأسد، بدل محاكمته أمام محكمة الجنايات الدولية بسبب ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ويرد في الانتقادات الموجهة إلى موقف ماكرون من الأسد أنه تنازلات مجانية، لم تجن فرنسا من ورائها أي مقابل، بل خسرت أخلاقيا بسبب تراجعها عن الدعوة إلى محاكمة الأسد. وفي حين كانت تنتظر من الرئيس الأميركي تراجعا بصدد اتفاقية المناخ، فإن ترامب استمر على تعنته حين زار باريس ضيف شرف في احتفالات العيد الوطني في 14 يوليو/ تموز الماضي، والأمر ذاته بالنسبة إلى موسكو التي عوّل عليها ماكرون أن تشرك فرنسا في الترتيبات المقبلة في سورية، وخصوصا إعادة الإعمار، لكنه لم يحصل على أي وعد من نظيره فلاديمير بوتين.
تصريحات لودريان الجديدة هي من باب المراجعة، حسب معلومات مصادر وزارة الخارجية الفرنسية، وهذا هو السبب وراء إعلان ماكرون عن تشكيل “مجموعة اتصال” جديدة حول سورية، على الرغم من أن تجارب مجموعات الاتصال السابقة لم تكن ناجحة من جهة، ومن جهة ثانية تلعب أستانة دور نقطة اتصال، حيث تشارك في اجتماعاتها الأطراف المعنية بالوضع الميداني.
في جميع الأحوال، سوف تشكّل مبادرة ماكرون مدخلا وفرصة لتصليب موقف فرنسا، من مسألة رحيل الأسد الذي تؤكد التطورات الميدانية في سورية أنه يستحيل التقدم من دون تجاوز هذه العقبة.
عذراً التعليقات مغلقة