ترسل إيران وحلفاؤها تعزيزات بالقرب من منطقة نزع السلاح في جنوب شرق سوريا للضغط على الجيش الأميركي للانسحاب من موقع عسكري بالقرب من معبر التنف، وترى كل من طهران ودمشق تهديداً خطراً في وجود قوات أميركية لتدريب قوات المعارضة في منطقة التنف، وكذلك في شمال شرق سوريا. كما تعتبر إيران طرد الجيش الأميركي من معبر التنف الحدودي الاستراتيجي بين سوريا والعراق والأردن شرطاً مسبقاً لتأمين خط إمدادات مستدام لسوريا ولبنان، فضلاً عن إقامة جبهة معركة جديدة ضد إسرائيل في جنوب سوريا. يهدد التصعيد الجديد بمواجهة مباشرة أخرى في المستقبل القريب وربما أكثر خطورة، بين القوات الأميركية والقوات المدعومة من إيران في سوريا.
تعزيزات بالقرب من التنف ..
نشرت وسائل إعلام إيرانية في 30 أغسطس/ آب صوراً لعناصر مسلحة مزودة بالعتاد الثقيل تابعة لحركة “النجباء” منتشرة في جنوب سوريا. وكتبت وكالة “تسنيم” للأنباء، التابعة للحرس الثوري الإسلامي “I.R.G.C”: “منذ بات معلناً دعم الولايات المتحدة لداعش لوجستياً وحيوياً في المثلث الحدودي بين العراق وسوريا والأردن، فإن حركة “النجباء” الإسلامية قد عززت نشر مقاتليها للقضاء على أعضاء هذه المجموعة الإرهابية التكفيرية” . وتُظهر الصور قوات الميليشيات العراقية التي تقودها إيران تتوغل في الصحراء السورية نحو التنف، مدججة بالأسلحة الثقيلة كالآر بي جي ، بالإضافة إلى الدبابات وشاحنات صغيرة.
ووفقاً للتقارير فإن الميليشيات تعد تعزيزات إضافية، حيث إن عشرات الميليشيات المرتبطة بإيران متمركزة بالفعل بالقرب من منطقة نزع السلاح حيث تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتدريب عناصر من الجيش السوري الحر. وقد نشرت وسائل الإعلام الإيرانية في 27 أغسطس/آب صوراً من جنازة مسلحين تابعين لحركة “النجباء” قتلوا بالقرب من منطقة التنف، ونقلوا إلى العراق ليتم دفنهم. وشارك مئات العراقيين، بمن فيهم كبار قادة قوات الحشد الشعبي العراقي، وقد هتفوا بشعارات ضد تنظيم الدولة الإسلامية والولايات المتحدة.
المواجهة مع الولايات المتحدة ..
ويشير التعليق في وسائل الإعلام الإيرانية، ولاسيما التي تنتمي إلى الحرس الثوري الإسلامي، بأن إيران تعتقد أن بإمكانها أن تجبر قوات الولايات المتحدة على مغادرة التنف من خلال إرسال المزيد من القوات إلى المنطقة. وكما كان الحال في الماضي، فقد يختبر الحرس الثوري الإسلامي الولايات المتحدة في البقاء في جنوب شرق البلاد عبر تخطي الخطوط الحمر التي وضعتها الولايات المتحدة في منطقة نزع السلاح. وقد قامت الطائرات الأمريكية بضرب القوات الموالية للنظام التي كانت تحاول التقدم باتجاه منطقة التنف في عدة أوقات، وقد أوضح البنتاغون أنه سيعيد الكرّة في المستقبل لحماية قواته وحلفائه.
وذكرت مقالة بعنوان “إمكانيات المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في التنف” في صحيفة “فارارو” : “إن الجيش السوري والميليشيات المدعومة من إيران مصممة على طرد الولايات المتحدة من منطقة التنف”، وتزعم أنها “قد أحرزت تقدماً كبيراً في السعي لتحقيق ذلك”. وبحسب المقالة فإن إيران وحلفاؤها يركزون بشكل متزايد على منطقة التنف، وخاصة بعد إعدام “حسن حجاجي” وهو أحد ضباط الحرس الثوري الإسلامي الذي اعتقله عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية في وقت سابق من هذا الشهر. وتعهد كبار المسؤولين العسكريين بما فيهم قائد سرايا القدس “قاسم سليماني” بالانتقام. وقد أشارت المقالة أيضاً إلى زعم من قبل “كتائب سيد الشهداء” _ ميليشيا عراقية أخرى مدعومة من إيران_ بأن الولايات المتحدة وحلفائها مسؤولون عن مقتل 36 شخصاً من القوات الموالية للأسد بالقرب من منطقة التنف في هذا الشهر.
وأضافت المقالة أن منطقة التنف ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران، لأنها تربط بغداد بدمشق وبيروت. و أن الولايات المتحدة قد نجحت في منع إيران من الوصول إلى المنطقة، إلا أنها أكدت أن القوات الموالية للنظام تدعمها إيران تحاول أن تجعل معبر التنف تحت سيطرتها. وأشارت المقالة إلى أن القوات الموالية للنظام قد وصلت بالفعل إلى الحدود العراقية شمال التنف في حزيران/يونيو ، مما أدى إلى قطع الطريق ومنع الثوار المدعومين من الولايات المتحدة من الانتقال إلى الشمال والاندماج مع القوات الموالية للولايات المتحدة من مقاتلين أكراد في ديرالزور. وذكرت المقالة أن الأمريكيين غير راضين عن هذا الوضع لأن هذا الطريق يسمح بإمداد النظام السوري بالأسلحة من خلال العراق.
ويردد العديد من المحللين الإيرانيين وجهات نظر مماثلة. وقال “حسن زاده” خبير إيراني في شؤون الشرق الأوسط في حديثه مع وكالة الأنباء الإيرانية “تسنيم” : “إن الولايات المتحدة تسعى “لإحياء الإرهابيين” في منطقة التنف لتجميد المكاسب الأخيرة التي حققتها دمشق وطهران”. وقد زعم أنه نظراً إلى هزيمة الجماعات الإرهابية في الموصل والعديد من المناطق السورية مثل تدمر وحمص وديرالزور، فقد أدرك الأمريكيون أن المشروع المشترك لمدة 6 سنوات من قبل أمريكا وبريطانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية وتركيا لتغيير السياسة وتغيير رقعة الشطرنج العسكرية في سوريا قد فشل ، ولذلك يتمركز مسلحون أمريكيون في مثلث الحدود المشتركة بين سوريا والأردن والعراق للاستفادة من الوضع وإعادة تجميع الجماعات الإرهابية الأخرى” .
شكوك حول روسيا ..
على الرغم من التعاون الوثيق بين روسيا و إيران فإن الكثيرين في إيران مازالوا يشككون في موسكو ومحترسين من إبرام صفقة سرية محتملة بين البيت الأبيض والكرملين قد تقوّض المصالح الإيرانية في سوريا والمنطقة. وحذر المقال في “فارارو” من أن “روسيا قد عملت حتى الآن كوسيط لتجنب المواجهة بين القوات الأمريكية والقوات المدعومة من إيران في سوريا، لكن كما أظهرت الحوادث الأخيرة والاشتباكات المتقطعة، يقال أن روسيا لم تقصر عن القيام بهذا الدور بل أنها انحازت إلى جانب الولايات المتحدة بشكل أو بآخر”. وقد تم تعزيز هذا الرأي بعد اتفاق بين بوتين وترامب في قمة هامبورغ.
أهمية التنف ..
من وجهة نظر إيران، فإن طرد القوات الأمريكية من التنف لا يزيل تهديداً طويل الأمد لنظام بشار الأسد فحسب، بل يساعد أيضاً على تعزيز الخطط الاستراتيجية الإيرانية في سوريا ومنطقة الشام.
وقالت صحيفة “Alwaght News” : إن تحرير التنف وتطهير المناطق المتبقية من داعش يعطي إيران إمكانية الوصول إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط والحدود الشمالية من الأراضي المحتلة. وتوجد أدلة تثبت بأن واشنطن بالإضافة إلى تعزيز سيطرتها على التنف، فإنها تسعى على الاستيلاء على البوكمال أيضاً. بهدف السيطرة على معبرين استراتيجيين للحدود بين سوريا والعراق بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
وبحسب المقالة .. إذا كانت الولايات المتحدة تسيطر على هذين المعبرين الاستراتيجيين الحدوديين فسوف تكون قادرة على منع الاتصالات الأرضية للقوات المدعومة من إيران بين سوريا والعراق.
إن الطريق البري إلى دمشق لا يعزز من أمن محور المقاومة فحسب، بل ويمكنه أن يزيد من قدرة قوة المقاومة وقدرتها على المناورة على الأرض، وقوتها في المفاوضات السياسية مع المعارضة.
وتشير بعض المصادر الإيرانية إلى أن الولايات المتحدة تمنع وصول إيران إلى منطقة التنف من أجل ضمان أمن إسرائيل. وقد كتب أحد أعضاء الجرس الثوري الإسلامي : “إن واشنطن تسعى إلى خلق فراغ على طول الحدود العراقية_السورية من أجل قطع الرابط الجغرافي بين هذين البلدين ومحور المقاومة حتى تتمكن من ضمان أمن إسرائيل. وأضافت المقالة : “لقد كان هدف الأمريكيين هو التقدم في وقت واحد من التنف إلى الشمال، ومن الرقة إلى الجنوب للاستيلاء على دير الزور، وتقسيم العراق وسوريا. بيد أن هذا الهدف الأمريكي قد فشل بسبب حكمة وشجاعة المقاومة”.
التهديد الإسرائيلي ..
إن الوجود المتزايد لحركة :النجباء” في جنوب سوريا من شأنه أن يزيد قلق إسرائيل. وقد أعلنت الحركة أنه بعد هزيمة داعش ستكون معركتها القادمة إلى جانب حزب الله اللبناني ضد إسرائيل في سوريا. وفي آذار/مارس أعلنت حركة “النجباء” أنها قد أنشأت لواءاً جديداً للاستيلاء على مرتفعات الجولان، مدعية أن “الانتصارات الأخيرة” ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ثوار السنة في العراق وسوريا، قد سمحت للحركة وحلفائها بالتركيز على إسرائيل. وزعم زعماء الحركة أن أعضاء اللواء الجديد مدربون ومجهزون بشكل جيد وقادرين على محاربة الدولة اليهودية. وقال “أكرم الكعبي” قائد الحركة في شبكة “الميادين” التي تتخذ من لبنان مقراً لها: “إسرائيل أضعف من شبكة العنكبوت، وإن المقاومة الإسلامية قادرة على مواجهة محور الشر والقضاء على النظام الصهيوني المحتل” .
تعد حركة “النجباء” مجموعة طائفية عراقية بارزة بقيادة الحرس الثوري الإسلامي وزعيمه “قاسم سليماني”، وتقاتل في سوريا منذ عام 2013 . وقد تعهد “الكعبي” بالولاء للمرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي”. ويستخدم الحرس الثوري الإسلامي حركة “النجباء” ليس فقط لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن أيضاً كأداة ضغط ضد حكومة بغداد، والدول الإقليمية والولايات المتحدة . وأضاف “الكعبي” أنه سينشر المزيد من القوات في سوريا بعد إطاحته بتنظيم الدولة الإسلامية من الموصل.
- دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط – ترجمة: رانيا محمود – حرية برس ©
عذراً التعليقات مغلقة