أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها السنوي بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا الاختفاء القسري الذي يوافق الثلاثين من آب من كل عام.
ووثَّق التقرير الذي جاء تحت عنوان “أين هم؟” ما لايقل عن 85000 مختفٍ قسرياً لدى الجهات الفاعلة في سوريا مؤكداً أن الاختفاء القسري بات سلاح حرب في سوريا.
وجاء في التقرير أن عمليات الاعتقال التَّعسفي، التي تم توثيقها خلال السنوات السبع الماضية كانت أقرب إلى عمليات مافيات الخطف، فهي تتمُّ عبر الحواجز أو المداهمات، دون مذكّرات اعتقال، ويُحرم المعتقلون من التواصل مع أهلهم أو مُحاميهم، ولا تعترف السلطات بوجودهم لديها، وبحسب التقرير فقد ارتقت معظم حالات الاعتقال إلى درجة الإخفاء القسري.
عرَّف التقرير المختفي قسرياً بأنه المعتقل الذي مضى شهر كامل على آخر معلومات موثَّقة ورَدت عن مصيره من الجهة التي قامت باعتقاله ويبقى الضحية في عداد المختفين قسرياً طالما أنَّ الجهة المسؤولة عن إخفائه لم تعترف بوجوده لديها حتى إن وردت معلومات عن مكان احتجازه.
واستندَ التقرير على اللقاءات التي أجراها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان مع عائلات ضحايا الاختفاء القسري أو أصدقائهم الذين كانوا شهوداً على عملية الاعتقال، واستعرض 12 منها، كما اعتمد على أرشيف المعتقلين والمختفين قسرياً الذي نُسجِّل فيه بشكل يومي حوادث الاعتقال والاختفاء.
وأضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“إن عشرات آلاف حالات الاختفاء القسري المسجلة لدينا، وما تُخلِّفه من اضطرابات نفسية وجسدية وعاطفية على الضحايا وذويهم، يجعل الجريمة تُشكِّلُ صيغة من أشكال العقوبات الجماعية للمجتمع، وإن كان المجتمع الدولي عاجزاً
عن إنقاذ الضحايا بعد سبع سنوات، فلا أقلَّ من أن نتَّجه للسؤال عنهم ومساعدة ذويهم”.
وأشار التقرير إلى مسؤولية النظام السوري عن 90 % من عمليات الاختفاء القسري؛ وأكَّد أنه الطرف الأول والرئيس الذي بدأ بممارسة عمليات الإخفاء القسري ضد معارضيه منذ آذار/ 2011 واستخدمها بشكل مُمنهج ضدَّ جميع أطياف الشعب السوري كسلاح حرب مرتبط بعمليات القتل والعنف الجنسي والابتزاز المادي، و ذكر أن عمليات الإخفاء القسري توسَّعت مع انتشار المجموعات المسلحة غير الرسمية التي تُقاتل إلى جانب قوات الجيش والأمن السوري كالميليشيات الإيرانية، وحزب الله اللبناني، وغيرها، والتي أنشأت مراكز احتجاز خاصة بها وقامت بعمليات اعتقال وخطف حمل معظمها صبغة طائفية وحصلت بشكل جماعي.
ووثَّق التقرير ما لايقل عن 85036 شخصاً مازالوا قيد الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى آب/ 2017، النظام السوري مسؤول عن إخفاء ما لايقل عن 76656 شخصاً بينهم 1116 طفلاً، و4219 سيدة (أنثى بالغة)، فيما ما لايقل عن 4698 شخصاً، بينهم 204 أطفال، و182 سيدة مختفون لدى تنظيم داعش. وما لايقل عن 1121 شخصاً، بينهم 7 أطفال و12 سيدة لدى تنظيم جبهة فتح الشام. بينما أخفت قوات الإدارة الذاتية ما لايقل عن 1143 شخصاً، بينهم 22 طفلاً، و33 سيدة، وفصائل المعارضة المسلحة كانت مسؤولة عن إخفاء ما لايقل عن 1418 شخصاً، بينهم 178 طفلاً، و364 سيدة.
ووفق التقرير فقد كاننت النسبة الأكبر من ضحايا الاختفاء القسري من محافظة ريف دمشق، تليها محافظتا درعا ودمشق.
أكَّد التقرير أنَّ سياسة الإخفاء القسري تُشكِّل خرقاً للدستور السوري وللاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري التي نصَّت في مادتها الأولى على أنه لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري، ولا يجوز التَّذرع بأي وضع استثنائي كان، سواء تعلَّق الأمر بحالة حرب، أم التهديد باندلاع حرب، أم بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أم بأية حالة استثناء أخرى؛ لتبرير الاختفاء القسري، ومع أن سوريا ليست طرفاً في هذه الاتفاقية ولم تُصادق عليها إلا أنَّ تجريم الاختفاء القسري يُعتبر جزءاً من القانون الدولي العرفي.
وأضاف أنَّ الحكومة السورية فشلت في حماية شعبها من جريمة الإخفاء القسري، بل هي من مارستها وبشكل فاقَ جميع التصورات في العصر الحديث، وأكد أن الفقه الدولي لحقوق الإنسان يُقرُّ أنَّ المسؤولية تقع على الدولة لإثبات حالة الأشخاص المحتجزين لديها، والتي قامت باعتقالهم أو خطفهم، ويجب أن يكون هناك تحقيق في جميع الوفيات التي تقع داخل مراكز الاحتجاز، وإلى حد مُشابه فعلت الجهات الأربع الأخرى، مع الفارق في حجم وكمية الأشخاص الذين تم إخفاؤهم.
وأوصى التقرير الأمم المتحدة ومجلس الأمن بوضع حدٍّ لوباء الاختفاء القسري المنتشر في سوريا، كونه يُهدد أمن واستقرار المجتمع، كما حثَّهم على إصدار بيان خاص بشأن المختفين قسرياً في سوريا، يُدين ممارسات النظام السوري وحلفائه، والأطراف الأربعة الأخرى، والضغط بشكل أكبر من أجل السماح بدخول غير مشروط للجنة التحقيق الدولية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى جميع مراكز الاحتجاز.
وأكَّد على ضرورة قيام مجلس الأمن بمتابعة تطبيق وإلزام الأطراف بالقرارات التي قام بإصدارها ومن أبرزها القرار رقم 2024، والقرار رقم 2139، وإتباع القرارات النظرية بالأفعال.
وطالب التقرير مجلس حقوق الإنسان بمتابعة قضية المعتقلين والمختفين قسرياً في سوريا وتسليط الضوء عليها ضمن كافة الاجتماعات السنوية الدورية، والتعاون والتنسيق مع منظمات حقوق الإنسان المحلية الفاعلة في سوريا.
وشدَّد التقرير على أهمية قيام الفريق الخاص المعني بالاختفاء القسري بزيادة عدد العاملين في قضية المختفين قسراً في مكتب المقرر الخاص المعني بحالات الاختفاء القسري بسوريا؛ نظراً لكثافة وحجم حالات المختفين قسرياً في سوريا.
وأخيراً أوصى التقرير آلية التحقيق المستقلة المشتركة بالبدء بالتحقيق في حالات الاختفاء القسري الواردة فيه.
Sorry Comments are closed