من أهم عيوب المعارضة السورية أنها بلا ذاكرة، لا تعرف ولا تريد أن تعرف كيف تراكم معارف وخبراتٍ، تتيح لها التعامل بفاعليةٍ ونجاعةٍ مع ما تواجهه من تحديات، ويمر بها من أحداث.
لو تأملنا العمل المعارض، لوجدناه يفتقر إلى وعي تاريخي ذي أبعاد مترابطة وعقلانية، ويعامل الوقائع المتكرّرة وكأنها تحدث أول مرة، بينما يتخبط ويرتجل، حين تمس حاجته إلى وسائل وآلياتٍ يطوع بواسطتها خيارات الآخرين، ويؤقلمها مع ما يعتمد من مواقف، ويتبنى من مصالح. لا عجب في وضعٍ كهذا أن يتجاهل العمل المعارض وجهات نظر سبق إعلانها مراراً وتكراراً، من دون أن يأخذها أحد في حسبانه، أو يدرجها في نسقٍ تراكميٍّ، يجعل منها خياراتٍ لا يتم التعامل معها كل مرة وكأنها جديدة.
وقد سبق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أن مر بتجربةٍ دامت قرابة عامين، تعاون خلالها ديمقراطيون وسياسيون إسلاميون ومحايدون وتكنوقراط على تطبيق رؤيةٍ برنامجية، لو اعتمدها العمل الوطني العام، لكان في حال أفضل بكثير من حاله الراهنة.
قالت الرؤية التي حدّدت أسس التجربة إن النظر إلى الثورة، باعتبارها فاعلية مجتمعية شاملة، بدلالة حسابات ومصالح جزئية، أو حزبية، أوصلت ثورة السوريين إلى مأزقٍ شامل، يجسّده ضعفها السياسي والعسكري، وافتقارها لبرامج وخطط تنفيذية، يلتزمون جميعهم بها.
وأضافت إن إخضاع الوطني/ الثوري العام للجزئي/ الحزبي، أدخل الثورة في احتجازٍ لن تخرج منه من دون مواقف وطنية جامعة، تعتمد قيماً ورهاناتٍ سورية عامة، يحدّد الساسة والعسكر مواقفهم انطلاقاً من طابعها الموحد، وبدلالته الشعبية والمجتمعية العامة، ويدرجونها في حاضنتها، فلا تضر عندئذ بالشأن العام، وتأخذه إلى سياقاتٍ ما دون وطنية/ ما قبل مجتمعية، ولا تتخلى عن أولويات العمل الثوري الصحيحة التي سيفشل تجاهلها الثورة، بل تربط أي فعل من أفعالها بالولاء للوطن ولمصالحه العليا، وترى كل قرار تتخذه بدلالته، وتجعله أعلى من أي ولاء آخر، مهما كان نوعه وطابعه.
برؤية الوطن بعين ولاءاتٍ تنظيميةٍ وحساباتٍ فئوية ما دون وطنية، يصير هدف كل طرف سياسي، أو عسكري، تكبير حصته من كعكة سلطةٍ تزين له أوهامه أنها ساقطة لا محالة في حجره، وأن مصالحه تلزمه بالانخراط في تنافسٍ يقصي الآخرين عنها، وإن حول خلافاته معهم إلى صراعاتٍ لا تخدم، في نهاية المطاف، غير من تؤمن بحتمية سقوطه: النظام الأسدي الذي ترفض مواجهته بتوحيد قدراتها مع من يفترض أنهم ينتمون مثلها إلى نضالٍ ثوري هدفه انتصار الثورة، بالالتزام بالوطنية السورية الجامعة مبدأً أعلى.
توافقت مكونات التجمع الوطني السوري الذي تأسس عام 2015 في “الائتلاف”، على أولوية الجامعة الوطنية ساحة لا بد أن تقرّر فيها، وعلى ضوئها، مواقفه وخياراته، وما يطوّره من آليات عمل وطني هو، في الوقت نفسه، شأنٌ ديمقراطي، تتفق أولوياته مع احترام فسح أطرافه الحزبية والخاصة، وترعاها ضمن الأطر الوطنية الجامعة، وتلك لا تتعارض معها، أو تعطلها.
وقالت خطة “التجمع” إن الانتقال السوري إلى الديمقراطية سيمر في مراحل ثلاث، تمر أولاها بتنافس إقصائي وشديد بين قوى سياسية وحزبية، لطالما حفلت علاقاتها بالتنافس والصراع. هذه المرحلة التي كان أعضاء “التجمع” يعيشونها تقرر تخطيها، والانتقال إلى تلمس وبلورة أسسٍ جامعةٍ، يعتمدونها في عملهم الموحد لإقامة نظام بديل، يتوقف نجاحهم في بلوغه على تجاوز صراعاتهم البينية، والالتزام بما توافقوا عليه، ريثما تجري انتخاباتٌ برلمانيةٌ تنتهي معها المرحلة الثانية، وتبدأ الثالثة التي سيشكل حكومتها، بمفرده أو بالتعاون مع آخرين، من يفوز بأغلبية الأصوات الانتخابية الذي سيبقى متمسكاً بـ “أسس الوطنية الجامعة”.
توافقت أطراف “التجمع” على أن الوطنية السورية تظل ديمقراطية المضمون، وإن حاد خيار التأسلم المسلح عن ثوابتها وعمل آلياً لتدميرها، وصار طبيعياً أن يعتبر الوطنيون أنفسهم ديمقراطيين وأعداء للخيار المذهبي، المتعسكر المتأسلم، وأن تتطابق في نظرهم الديمقراطية مع هوية الثورة الوطنية السورية.
اعترف إسلاميو “التجمع” بتماهي الديمقراطية والوطنية، واعترف ديمقراطيوه بشرعية القراءة الإسلامية لأسس الوطنية الجامعة، وتعاون الطرفان بسلاسةٍ وتكامل لإنجاح نهجها كركنين للمعارضة والثورة، يتوقف على تفاهمهما إسقاط النظام الأسدي، وبناء سورية وطنية ديمقراطية تواجه التحديات بوحدتها التي تطوي ملفات صراع الماضي.
عذراً التعليقات مغلقة