النصر المستحيل في سورية

غازي دحمان16 أغسطس 2017آخر تحديث :
النصر المستحيل في سورية

لا نصر محسوماً في سورية. لا طائرات بوتين تستطيع إنجاز هذه المهمة، ولا تراجعات أميركا يمكن أن تحقّقها، ولا حتى كل خزان إيران البشري. كل ما يمكن تحقيقه لا يتعدى تحسين مواقع طرف أو تحالف في المعادلة، ثم إن الانتصارات في مثل هذا النمط من الصراعات لا يمكن لها التمظهر إلا بعد ثبوت المتغيرات في شكل نهائي، وهذه تأخذ زمناً طويلاً قد يصل إلى عقد وأكثر.

ثمّة من يستعجل إعلان نصر طرف في الحرب السورية، هو في شكل واضح نظام الأسد تحديداً، بناء على سيطرته على بعض المواقع، ولا شك في أن هذا معطى مضلل كشفته خبرة تجارب السنوات الماضية، ذلك أن النظام تراجع إلى حدود السيطرة على أقل من 15 في المئة من مساحة سورية، وقد يستعيد السيطرة على غالبية سورية بفضل تضافر ظروف موضوعية لمصلحته في هذه المرحلة من دون أن يعني ذلك انتصاره، فطالما بقيت هناك ثورة سيبقى هو تحت الخطر، وشروط استمراره تختلف عن شروط استمرار المعارضة ضده، فالثورة لديها مرونة أكبر ومن الممكن أن تتحول الى أشكال أقل كلفة ولا تحتاج الى انتشار واسع، في حين أن النظام يحتاج شروطاً وبيئة مختلفة، ميزتها الأساسية الكلفة العالية.

يؤثر ذلك بالضرورة على رهانات الطرفين، والرهانات هي المحركات الأكثر قوة في ديمومة الصراع، وإذ تتطلب رهانات الأسد إيجاد بيئة ملائمة للقضاء على معارضيه، تتوافق مكوناتها الخارجية والداخلية على تحقيق هذا الهدف، وتوفر له الموارد اللازمة، وهذا مستحيل في بيئة متطلبة، في مقابل أن رهانات معارضيه أقل اتساعاً وأخفض تكلفة، تبدأ من الرهان على اغتيال رأس النظام، وصولاً إلى تغير في الموقف الدولي، وهي رهانات تبقى قابلة للتحقق.

استعادة السيطرة على حلب، التي يضعها المبشرون بانتصار النظام أيقونة لمؤشراتهم، قد تكون أنهت وجود كيان منافس لكنها لم تنهِ الثورة. كل مرحلة ستكون ولادة لنمط مختلف من الصراع لن تتكشف ملامحه لأنه سيكون استجابة للمتغيرات وتكيفاً معها.

النصر مستحيل لأن الأمور في سورية لا يمكن معالجتها من فوق الى تحت، فلا يكفي أن يتحصّن الأسد في دمشق ولا أن تقبل بعض الدول ببقائه لحل الأزمة او تسويق ذلك كعلامة للنصر. القضية مرتبطة بملفات أعقد، تشمل اللاجئين، دمج عشرات إن لم يكن مئات آلاف المقاتلين في القوات المسلحة، إعادة الإعمار، مصير المعتقلين والمفقودين. كل واحدة من هذه القضايا هي عنصر تفجير ما لم يتم حلّها بتوافق وطني ونتيجة رضا كل الأطراف، أو على الأقل توافقها على نوعية التنازلات ومستوياتها ومحتواها.

النصر مستحيل، لأن البعد العسكري بعد واحد في أزمة معقدة، والحل ليس مع الفصائل المسلحة التي لم تكن سوى تعبيرات إجتماعية عن موقف مقاوم للنظام. المشكلة مع المجتمع نفسه الذي اتخذ قرار إطلاق شرارة الثورة ثم تحمّل كلفة احتضانها والسير بها ودفع ثمنها، وهو اليوم ينتظر حصاد الغلة وليس القبول بحلول ترجعه إلى واقع أسوأ من الذي ثار عليه.

صحيح أن السوريين تعلموا من ثورتهم درساً في السياسة فحواه انه لم يعد ممكناً سقوط الأنظمة بالقوة ولا حتى بالثورات، وها هي مصر وتونس تعيدان إنتاج أنظمتهما القديمة، فلكل نظام شبكة علاقات كما أن له منظومة يرتبط بها، لكن السوريين يعرفون أيضاً انهم أصبحوا طرفاً تفاوضياً، وأنهم استعادوا تعريف الدولة وفق ما نصت عليه كلاسيكيات العلوم السياسية، شعب، أرض، وسلطة، وبالتالي فإنه إن لم يكن ممكناً إسقاط رأس النظام اليوم، فإن الشعب صار جزءاً من المعادلة التي على أساسها ستعاد هيكلية السلطة وشكل الدولة.

ولا يصلح هنا الرهان على تعب طرف واحد. الجميع، بمن فيهم اللاعبون الكبار، وصل إلى أعلى مستويات الإنهاك. لقد خاضوا حرباً قاسية واشتغلوا بأقصى طاقاتهم للوصول إلى هنا، وكلهم يتمنون أن تكون المرحلة المقبلة مرحلة استثمار لما يعتقدون أنهم أنجزوه، وليست مواصلة للحرب بطرقها القديمة، وروسيا نفسها التي تعتبر المشغّل الأساسي للحرب خفّضت حركة طائراتها لاعتقادها أنه لا يمكن الاستمرار بنفس النمط السابق، وأن المرحلة التي ستلي القضاء على التنظيمات المتطرفة ستكون لها حساباتها واستحقاقاتها.

النصر يصبح ممكناً في الصراع السوري، فقط إذا تم توزيعه على الجميع، بحيث تشعر جميع الفئات والطبقات والطوائف أنها حققت، من زاوية نظرها، ما يلبي مصالحها ويهدئ مخاوفها، إن لم يكن كلها فالجزء الأساس منها. فكل السوريين صار عندهم بنادق وقناصون، والصومال وأفغانستان هما تجربتان حيّتان لأطراف استعجلت يوماً إدعاء نصرها.

المصدر الحياة اللندنية
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل