خلافات المعارضة السورية وارتهانات كياناتها

ماجد كيالي14 أغسطس 2017آخر تحديث :
خلافات المعارضة السورية وارتهانات كياناتها

أبدت قطاعات من المعارضة السورية تخوفاتها من احتمال تحول الاجتماع المفترض عقده في الرياض (سبتمبر القادم) إلى محطة جديدة يتم خلالها استبعاد البعض وضم آخرين ناهيك عن زحزحة المعارضة عن مواقفها، وضمن ذلك التخلي عن بيان جنيف1 (2012)، ولا سيما المطلب الذي يتحدث عن وجود هيئة تنفيذية ذات صلاحيات كاملة في المرحلة الانتقالية، والانتهاء من حكم بشار الأسد وأسرته.

هذه التخوفات، وهي مشروعة، لا تنبع من اعتبارات حقيقية، إذ أن هذه المعارضة لديها الكثير مما تتخوف منه بهذا الاجتماع أو من دونه، وذلك بحكم ضعفها، وخلافاتها، وتباين ارتهاناتها للخارج، وضعف تمثيلها في مجتمعات السوريين في الداخل والخارج، خاصة بعد أن أضحت القوى الدولية والإقليمية هي التي تتحكم بالصراع السوري.

هكذا وعلى الرغم من مرور أكثر من ستة أعوام من الثورة السورية، بالاختبارات التي مرّت بها والأفكار التي حرّضت عليها والخبرات التي اختزنتها والأثمان الباهظة المدفوعة فيها، لا يبدو أن ثمة ما يتلاءم مع ذلك من نهوض أو نضج أو حراك في التجربة السياسية الجمعية للسوريين. فللأسف، لم يحدث بعد، لا على صعيد الخطابات ولا على صعيد بناء الكيانات السياسية ولا حتى على صعيد محاولات صوغ الهوية أو الروح السورية، عند السوريين، إلا ما يبدد تضحياتهم ويقيد أو يحد من قدرتهم على مصارعة النظام، أو استثمار هذا الصراع في مكاسب سياسية ملموسة.

وبصراحة فإن هذا الأمر يتعلق أساسا بافتقاد السوريين إلى طبقة من السياسيين والمثقفين والفئات المتوسطة، التي تأخذ على عاتقها مسؤولية التحديث والتغيير، وتمثّل هموم وتطلّعات معظم المواطنين، مع الاحترام لعديد من الشخصيات الوطنية السورية النزيهة والمجربة، سواء تلك التي انخرطت في إطارات الحراك السوري أو التي عبرت عن ذاتها من خارجه.

ولعل أكثر ما يضرّ في هذه الطبقة هو السمات اللاصقة بها، أي السلبية والتواكل والتشتت وضعف المبادرة وطغيان الخوف من التجديد والتغيير، وروح الريبة التي تتملك أطرافها، وهي سمات استطاع النظام زرعها خلال نصف قرن من الحرمان من السياسة، وضمّنها انتهاجه سياسة التخويف والتهديد، ما يعني أن ترسخ هذه السمات حتى الآن، أي بعد أزيد من ست سنوات من التضحيات والمعاناة والتجارب، يمثل إخفاقا كبيرا للثورة السورية وللأوساط المنخرطة فيها.

نحن نتحدث هنا مثلًا، عن عدم القدرة حتى الآن، على بناء كيان سياسي جبهوي بمعنى الكلمة، وعدم التوصل إلى توافقات على صورة سوريا المستقبل المنشودة، البديلة من النظام، بعيدا عن التصورات الأيديولوجية والهوياتية والفئوية، مع تأكيدنا أن المشروعات السياسية الحية لا تتحدد بالسلب أو بالهدم أو بالتفكيك فقط، وهذا يشمل الواقع الذي تريد تغييره، وإنما تتحدد، أيضًا، بما تريد بناءه، أي المستقبل الذي تعد شعبها به؛ وهو هنا يتعلق بالحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية في سوريا الجديدة.

وعدا عن تشتت كيانات المعارضة، السياسية والعسكرية والمدنية، فإن كل جماعة تتحرك في دائرة مغلقة أمام الجماعات الأخرى، إضافة إلى ملاحظة غياب المراجعات النقدية، رغم كل ما كشفته مسارات هذه الثورة من أخطاء وتقصير، فاقمت التحديات والتعقيدات والصعوبات التي تمر بها.

مثلاً، في التجربة التفاوضية، تتناسى بعض أوساط المعارضة، أولا، أن المفاوضات الحقيقية لا تجري في جنيف ولا أستانة، أي لا تجري بين الجالسين على طاولة المفاوضات (النظام والمعارضة)، وإنما تجري بين الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الصراع السوري، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، مع أدوار أقل لأطراف أخرى. وثانيا أن المعارضة ذاتها لا توجد لديها رؤية واضحة حول ما تريد، وأنها هي بذاتها معارضة غير موحدة، ولا تعبر عن كيانات سياسية ذات تمثيلات مجتمعية وازنة، وأن قدراتها محدودة، وأن المعارضة السياسية لا تملك ما يمكنها من السيطرة على الصراع الجاري بين فصائل المعارضة العسكرية. ثالثا أن الفاعلية لا تقاس من الناحية العملية، بدلالة الشعارات والمواقف، وإنما تقاس بالقدرات والإمكانات والمؤهلات الذاتية، وضمن ذلك توفير الشروط التي تسمح باستثمار ما يمكن من مواقف دولية وإقليمية وعربية للتعويض عن ضعف القدرات الذاتية، لا العمل عكس ذلك بدعوى المبدئية والثورية.

المصدر العرب اللندنية
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل