تبرز بين الفينة والأخرى مبادرات هنا وهناك، لشخصيات تعرف عن نفسها بأنها “جزء من المعارضة السورية”، تحاول مد جسور للتواصل مع إسرائيل، وتعرض صفقات لـ”السلام” معها، مقدمة تنازلات كبيرة عن “الثوابت” التي جرى التمسك بها طوال العقود الماضية، بالرغم من تجاهل إسرائيل المستمر لمثل هذه المبادرات، والتي كان آخرها ما صدر قبل أيام عن عدة أشخاص اجتمعوا في العاصمة الألمانية برلين، قالوا إنهم من أبناء الجولان المقيمين في أوروبا، وتوافقوا على “مبادرة سلام الجولان”، “كجزءٍ من خطّة شامله للوصول إلى حلّ للمأساة السوريّة”.
وتدعو المبادرة الجديدة إلى عقدِ مؤتمرٍ عامٍ لأبناء الجولان المقيمين خارج سورية، خلال مدّةٍ أقصاها شهر، بهدف “وضعِ خطةِ عملٍ للجولان بشكل خاص، وانتخاب وفدٍ سياسي من أجل التواصل داخلياً وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي”، وتشكيل لجنة تحضيرية من: محمد عناد سليمان ( فرنسا) وخالد الحسين (هولندا) وعصام زيتون (ألمانيا).
ودعا المشاركون، أبناء الجولان “أفرادًا ومؤسسات ومنظمات وفصائل في الداخل والخارج”، للمساهمة بهذا المشروع، الذي يقوم على نقاط عدة، أبرزها “الاعتراف بدولة إسرائيل على حدود 4 حزيران 1967، وفصل قضية الشعب السوري عن القضايا الإقليميّة الأخرى، واعتبار المفاوضات والمحاكم هي الطريق الأقصر والأسهل لعودة الحقوق لأصحابها، والموافقة على استمرار السيطرة العسكرية والأمنية الإسرائيليّ على مرتفعات الجولان ضمن خطة زمنية محددة، ودفع تعويضات لسكان الجولان، وعودة سكان الجولان إلى مناطقهم بعد إعادة بنائها ضمن خطة زمنية محددة، وخاصة اللاجئين منهم في لبنان والأردن، فضلًا عن “فتح شريان إغاثي وممر للبضائع والمسافرين عبر الموانئ والأراضي الإسرائيلية”.
ونفى عصام الريس من “الجبهة الجنوبية” أية علاقة لهم بهذه المبادرة. وقال في حسابه الشخصي على “فيسبوك”: “أنفي بشكل قطعي باسمي واسم الرائد أبو أسامة الجولاني، والسيد معن عبد السلام، كل ما تم تداوله عن تقرير لشبكة مراسل سوري حول مؤتمر مع إسرائيل”.
وفي أول ردود الفعل على هذه المبادرة، أصدرت الفعاليات الثورية في محافظة القنيطرة بيانًا رفضت فيه “ما يحاك في الخارج من مؤامرات وخدع بحق أبناء الجولان” .
وأورد البيان، الذي وقعه 40 فصيلًا عسكريًا ومنظمة سياسية وثقافية وثورية، أن الموقعين يعتبرون “الكيان الصهيوني كيانًا محتلًا غاصبًا لأرضنا منذ 1967، ولا نعترف به كدولة أبدًا”.
واعتبر كذلك من يروج للتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي “عملاء وخونة، وسوف تتم محاكمتهم أمام محكمة القنيطرة بتهمة الخيانة العظمى للشعب والثورة”. ومن بين الموقعين على البيان “مجلس محافظة القنيطرة الحرة”، ونقابة “إعلاميي القنيطرة الأحرار”، و”مديرية زراعة القنيطرة الحرة”، و”رابطة مثقفي الجولان”، و”مديرية الموارد المائية في القنيطرة الحرة”، و”مجلس قيادة الثورة في القنيطرة والجولان”، و”قيادة جبهة ثوار سورية المجلس العسكري”، و”تجمع أبناء الجولان في ريف درعا”، و”نقابة المهندسين الزراعيين الأحرار في القنيطرة”، و”تجمع أبناء الجولان في حوض اليرموك”، و”نقابة ممرضي القنيطرة الأحرار”، و”المجلس الثوري العسكري في القنيطرة والجولان”، و”لواء شهداء القنيطرة والجولان”، و”تجمع معلمي القنيطرة”، و”نقابة معلمي القنيطرة”، و”اتحاد تنسيقيات الثورة السورية”، و”جمعية المرأة السورية للتنمية”، و”منظمة الجولان للإغاثة”.
ومن جهته، قال كبير مفاوضي وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات جنيف، محمد صبرا، في بيان تلقى “العربي الجديد” نسخة منه، أن أبناء الجولان رفضوا على “مر العصور القبول أو الرضوخ لأي مستعمر أو دخيل، وقاوموا وقاتلوا دفاعًا عن شرف الوطن ووحدة أراضيه واستقلاله وسيادته، وقاوموا المستعمر الفرنسي في سورية ولبنان”.
وأضاف أنه منذ “احتلال الجولان من قبل العدو الإسرائيلي، بتسهيل من حكومة البعث، عام 1967، وأبناء الجولان يتطلعون إلى الثورة ضد نظام البعث، الذي عمل حارسًا وأجيرًا عند الإسرائيليين، يحمي الحدود ويمنع أبناء الجولان من ممارسة حقهم باستعادة أرضهم التي فرط فيها ثمنًا لكرسي السلطة الزائل”، مشيرًا إلى مشاركة أبناء الجولان في الثورة ضد نظام الأسد منذ اليوم الأول للثورة في “تجمعات البؤس في السيدة زينب، والحجر الأسود، وسبينة وجديدة عرطوز، وقدموا آلاف الشهداء، وهم يهتفون للحرية وللكرامة، رافعين شعار “الشعب يريد تحرير الجولان” لأنهم يدركون أن زوال هذا النظام، يعني قدرتهم على استعادة أرضهم، والعودة إلى قراهم ومدنهم وحياتهم الاجتماعية الطبيعية”.
وأكد صبرا أن “الجولان لكل سورية، وتحريره واجب على كل السوريين، وهو جزء لا يتجزأ منها، ولا يحق لأحد التحدث باسمه أو التصرف في قضيته؛ لأنها قضية كل الوطن وقضية كل سوري”.
وقال “اليوم تطلع شرذمة قليلة ممن يدعون انتسابهم لأبناء الجولان لتكسر المحرمات وتتحدث عن مبادرة أسمتها (سلام الجولان)، إن هذه الشرذمة التي لجأت لدول أوروبا تبحث عن دور لها؛ لم تجد طريقة لتحقيق طموحها المريض سوى بالتفريط بقضية الجولان المقدسة عبر الدعوة لفصله عن سورية، بل وصل الأمر بهم للاعتراف بالوجود الإسرائيلي في الجولان، وكأنهم يحققون الغاية والهدف، الذي سعى إليه حافظ أسد وعجز عن تحقيقه”.
ورأى أن هؤلاء وضعوا أنفسهم “في صف نظام البعث الذي باع الجولان في عام 1967، وها هم اليوم يستغلون المأساة السورية لإكمال مشروع هذا النظام المجرم”.
وختم صبرا بالقول إن أبناء الجولان “جزء أصيل من الثورة السورية المباركة، وهم يسعون لتحقيق نظام وطني ديمقراطي عادل يقوم على المواطنة المتساوية، ويحقق الحرية والكرامة لكل أبناء الشعب السوري، ويحقق حرية الدولة السورية واستقلالها وسيادتها على كامل ترابها الوطني”.
من جهته، وصف الناشط أحمد رويان المبادرة بأنها تصرف “غير مسؤول، وتدل على سذاجة أصحابها السياسية، وقبولهم أن يكونوا بالونًا رديئًا للاختبار”. وقال لـ”العربي الجديد”، “إن صدور المبادرة في هذا الوقت العصيب، الذي تمر فيه سورية يدل على ضعف انتماء أصحابها للوطن والشعب الذي تنزف جراحه صباح مساء”.
أما الناشط محمد فهد النعيمي، فقال إن “بعض المتسلقين يحاولون الصعود على دماء الشعب السوري، وخاصة أبناء الجولان والجنوب”. وأضاف أنه “بعد أن كسرت معركة البنيان المرصوص وأبناء الجنوب مخططات العملاء، يحاول هؤلاء التغريد خارج السرب، وفصل قضية الجولان عن سورية والمتاجرة بها من خلال الضحك على الناس بقضية المساعدات، والقبول ببقاء الجولان تحت الاحتلال”.
جدير بالذكر أنه صدرت، في الفترات الماضية، مبادرات مشابهة عن بعض الشخصيات السورية المقيمة في الخارج، مثل فهد المصري، المقيم في باريس، والذي أسس ما سمي منظمة “سوريون ويهود من أجل السلام”، بهدف “تحريك فكرة السلام بين سورية وإسرائيل”، قائلًا إن باب الانضمام إلى هذه المنظمة سيكون مفتوحًا أمام كلّ السوريين واليهود حول العالم الذين يؤمنون بالسلام وثقافة السلام والتسامح والحوار ورفض العنف والتطرف والإرهاب، على حدّ تعبيره.
كما زار كمال اللبواني إسرائيل، عدة مرات، واقترح عليها مقايضة الجولان بالمساعدة في إسقاط نظام بشار الأسد. وكذلك زارها العام الماضي عضو المبادرة الحالية عصام زيتون، مدعيًا أنه يمثل “الجيش السوري الحر”، وألقى محاضرة في مؤتمر “هرتسليا”، شمال تل أبيب. وأصدرت “الجبهة الجنوبية” في حينه بيانًا نفت فيه علاقتها به.
- نقلاً عن: العربي الجديد
عذراً التعليقات مغلقة