كان جوني مهنا في الثامنة من العمر فقط عندما اصطحبته عمته إلى المسرح في دمشق عام 1999. كانت تلك بداية شغف دائم بالدراما والتمثيل. ويقول جوني: “لا يمكنني أن أنسى ذلك اليوم. لحظة دخولي إلى المسرح، شممت ذلك العطر، ذلك العطر الذي ما زلت أشمه في كل مسرح في كافة أنحاء العالم. بالنسبة لي، تلك هي رائحة الحرية”.
يضحك الشاب السوري البالغ من العمر أربعة وعشرين عاماً، والجالس في قاعة “شوسبيلهوس”، وهو أحد المسارح التجريبية الرائدة في فيينا ويقول: “بالطبع، أشم رائحة ذلك العطر هنا”.
بعد رحلة الهروب المحفوفة بالمخاطر من لبنان والوقت العصيب الذي مر به منذ وصوله إلى فيينا في أغسطس/آب 2015، علم أخيراً أنه مُنح حق اللجوء في النمسا- نهاية سعيدة لأعوام من عدم اليقين.
وجوني الذي نشأ في عائلة مسيحية سورية، درس التمثيل والأدب الفرنسي، وحلم بهوليوود.
لكن أحلامه وخططه بدأت تتلاشى عندما انزلقت البلاد في الحرب عام 2011. أُلقي القبض على والد جوني، وهو رجل أعمال، ليُعثر عليه ميتاً بعد ثلاثة أيام في السجن. وفي عام 2012، لاح في الأفق شبح الانضمام للخدمة العسكرية.
ويقول جوني: “لكي أضمن عدم مشاركتي، غادرت قبل ثلاثة أشهر من موعد التحاقي بثكنات الجيش”. وقبل أعياد الميلاد في عام 2012 بفترة وجيزة، غادر جوني دمشق وعبر الحدود إلى لبنان.
ويضيف: “جدتي لأمي من لبنان، لذا فأنا أعرف ذاك البلد وثقافته، ولكن العام الأول كان صعباً علي، فحتى لو تكلمنا اللغة نفسها، فلكلٍ منا لكنة مختلفة”.
ولكي يكسب ما يكفي للعيش، عمل جوني في وظائف في الملاهي والمطاعم، وسرعان ما كوَّن علاقات في مجالي المسرح والسينما المحليين. فمثّل في إعلانات تجارية ومسرحيات وفيلمين مقتبسين وثمانية أفلام قصيرة ومسلسلين تلفزيونيين.
وعلى الرغم من ذلك، أصبحت الحياة في بيروت مستحيلة في مطلع عام 2015. فقد فرضت الحكومة اللبنانية قيوداً على تأشيرات اللاجئين السوريين، وتضمنت شرط وجود كفيل لبناني. كان يمكن للذين سجلوا أسماءهم لدى المفوضية البقاء إذا تعهدوا بعدم العمل. وكان باستطاعة جوني تجديد وضعه كلاجئ، ولكنْ كيف يمكنه العيش من دون تصريح عمل؟
“وقعت على ورقة التعهد بعدم العمل في لبنان، ولكن، إذا ألقت الشرطة القبض علي، فيمكن أن تكون الغرامة ثلاثة ملايين ليرة لبنانية، أي حوالي 2000 دولار أميركي، كما أنني لم أستطع إيجاد كفيل لبناني، فما العمل؟”
في أغسطس/آب 2015، قرر جوني الانطلاق في الرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا، آملاً أن يصل إلى فيينا حيث يعيش اثنان من أعمامه.
للمرة الثانية، خطط لبدء حياة جديدة، وكما يقول: “الأمر صعب جداً، ولكنْ متى قررت الرحيل، لا يمكنك أن تنظر إلى الوراء. ومتى اشتريت تذكرة السفر إلى تركيا، عليك أن تنسى ماضيك”.
مع 45 لاجئاً آخرين، وصل إلى جزيرة ليسبوس اليونانية بعد رحلة مروعة في زورق مطاطي دامت أكثر من ساعتين ونصف الساعة في بحر ايجه. وفي ميتيليني، عاصمة ليسبوس، تلقى جوني رسالة على الواتساب من عمته التي تعيش في فيينا. أرسلت له إعلاناً عن مسرح في فيينا “يبحث عن لاجئين ذوي خبرة في الإنتاج المسرحي”.
“قلتُ في نفسي، كم لاجئاً يتمتع بالخبرة المسرحية – واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة؟ ليس الكثير. سأحظى بفرصة جيدة”.
وقبل أن يغادر لبنان، كان جوني متأكداً من أنه سيتوقف عن التمثيل لبضعة أعوام في النمسا لأنه لا يتقن اللغة الألمانية. ولكنْ حين وصل إلى مركز الاستقبال الأولي، سارت الأمور بشكل مغاير.
خلال أيام، اختارته فرقة الفنانين “Die schweigende Mehrheit sagt Ja” (“الأغلبية الصامتة تقول نعم”) للتمثيل في “Die Schutzbefohlenen” (“المحميون”)، المقتبسة من مسرحية كتبتها النمساوية إلفريده يلينيك، الفائزة بجائزة نوبل. كتبت المسرحية بعد أن لجأت مجموعة من اللاجئين إلى فوتيفكيرش، وهي كنيسة في فيينا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2012.
تألفت الفرقة من مجموعة من اللاجئين ومن ستة ممثلين نمساويين محترفين. ومن بين اللاجئين، كان جوني الشخص الوحيد الذي يتمتع بالخبرة كممثل. وبعد شهر فقط من سفره من بيروت كلاجئ حيث قطع حوالي 2,000 كيلومتر، اعتلى خشبة المسرح لتقديم العرض الأول في 12 سبتمبر/أيلول. ونالت المسرحية جائزة خاصة من جوائز مسرح نستروي المرموقة في النمسا.
يشعر جوني بالامتنان للشعب النمساوي ويقول: “نادراً جداً ما تم التعامل معي كلاجئ. ما أحبُّه فعلاً في النمسا، هو الاحترام المتبادل بين الناس. أصبح الممثلون النمساويون الستة من أفضل أصدقائي، وهم مذهلون؛ لا يتخلون عنك بعد أمسية في المسرح”.
وبينما قام جوني بجولة مع الفرقة الجماعية، قرر أخذ الرسالة التي أرسلتها له عمته في الاعتبار، وذهب إلى اختبار للأداء في “الغرباء”، وهي مسرحية تجريبية تروي قصة 13 شخصاً من خلفيات مختلفة يجدون أنفسهم عالقين في مترو الأنفاق بعد تعطله. ويلعب جوني دورين، أحدهما دور سائح يتحول إلى حشرة، والآخر مراهق من تيرول يتكلم النمساوية بلكنة ثقيلة.
وقد أعجب المخرج، جاكوب كافين، بأداء جوني، وقال: “كانت فرصة رائعة بالنسبة لي أن أعمل مع ممثل سوري محترف. فمنذ البداية، كان تركيزه كاملاً وأداءه مميزاً”.
ويتطلع جوني إلى حياة جديدة في النمسا، ويقول: “من الممتع تعلم لغات جديدة والتعرف إلى أشخاص جدد. أعشق فكرة العمل كممثل محترف في ثلاثة بلدان مختلفة”.
وبطبيعة الحال، يفتقد جوني أصدقاءه وعائلته في دمشق وبيروت، خصوصاً والدته التي لا تزال تعيش في دمشق. ويأمل أن تنتهي الحرب في سوريا عاجلاً أم آجلاً، لكنه لا يعتقد أنه يستطيع العيش فيها مجدداً، فقد حدثت أمور مؤلمة كثيرة.
ويقول مبتسماً: “يوم تنتهي الحرب، قد أعلم المممثلين النمساويين اللغة العربية وأرسلهم إلى سوريا ليمثلوا هناك”.
بقلم هنرييت شرودر في فيينا
نقلاً عن موقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
Sorry Comments are closed