وصلت العلاقات الروسية الأميركية إلى تقاطع جديد في سوريا، فواشنطن وموسكو تختلفان على كل شيء آخر باستثناء مبدأ القضاء على الإرهاب.
جوهر الخلاف الذي يناقشه وزيرا خارجية البلدين ريكس تيلرسون وسيرغي لافروف يدور حول إيران ودورها في سوريا ورعاية موسكو لطهران في مدّ خط نفوذ من بيروت إلى دمشق إلى بغداد.
موسكو تسرق دور واشنطن
عمدت الولايات المتحدة مع مجيء إدارة دونالد ترمب إلى وضع استراتيجية تقوم على ثلاث مراحل، دحر داعش وإنشاء مناطق هدوء والذهاب إلى سلام دائم في المستقبل.
أرادت الولايات المتحدة التعاون مع روسيا في هذه الخطة، لكنها واجهت دوراً روسياً متواطئاً مع النظام السوري عندما شنّ الهجوم بالأسلحة الكيمياوية على خان شيخون. فالخبراء والعسكريون الروس كانوا في مطار الشعيرات عندما أقلعت الطائرة وهي تحمل الشحنة السامة.
قصفت واشنطن مطار الشعيرات لردع النظام السوري عن العودة إلى استعمال أسلحة الدمار الشامل ويعتبر الأميركيون أن روسيا تضمن عدم عودة النظام السوري لاستعمال السلاح الكيمياوي، وحاول الأميركيون العودة إلى توافق مع روسيا على خطة تضمن القضاء على داعش.
يرى الأميركيون الآن أن روسيا، ومن خلال مؤتمر أستانا في الرابع من الشهر الحالي قاموا بمناورة دبلوماسية واسعة، فهم من جهة “سرقوا” أو “استحوذوا” على الاستراتيجية الأميركية وأعادوا إصدارها بأجندة روسية.
روسيا تؤهّل إيران
يعترض الأميركيون بشكل خاص على أن مشروع أستانا يضع إيران في مرتبة الراعي لمناطق التهدئة، فيما مهمة إيران في الأساس تنصبّ على مساندة النظام السوري.
تتحفّظ واشنطن بشكل خاص على تحويل إيران من معتد إلى ضامن للهدوء ومحاربٍ للإرهاب. وقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية تعليقاً على بيان أستانا “أن نشاطات إيران في سوريا ساهمت فقط في استعار العنف ولم تُوقفه، كما أن دعم إيران المطلق لنظام الأسد ساهم في تعاسة الشعب السوري”.
الأسوأ أن روسيا طرحت على مجلس الأمن الدولي مشروعاً لتبنّي مسار أستانا وتحاول أن تقنع العالم بإعطاء غطاء لإيران عن كل ما فعلته من قبل مباشرة أو من خلال حزب الله.
وفي اللحظة التي يدخل وزير خارجية روسيا للاجتماع بنظيره الأميركي سيكون الموقف على الشكل التالي: تيلرسون يريد مواجهة التدخلات الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط، ولافروف يريد أن يدافع عن دور إيران في سوريا.
الأسوأ لوزيري الخارجية أن إدارة الرئيس دونالد ترمب ترى أن روسيا لا تستطيع تنفيذ استراتيجيتها في سوريا والاحتفاظ بنظام بشار الأسد من دون مساعدة ومساندة إيران والميليشيات الشيعية المساندة لها.
طريق طهران يمرّ بدير الزور
تفرض الأوضاع الميدانية ضغوطاً كبيرة على الجانبين، الأميركي والروسي. فالأميركيون يستعدّون للمرحلة الأخيرة من معركة إسقاط “الرقة” عاصمة داعش بالتعاون مع القوات الكردية والعربية، وهذه عملية تستغرق وقتاً. يريد الأميركيون مساعدة القوات ذاتها أو قوات عربية أخرى جنوب البوكمال للتحرك شمالاً والسيطرة على الطريق الدولي الذي يربط سوريا بالعراق وبعدها السيطرة على مدينة دير الزور.
“دير الزور” ستكون آخر مدينة يسيطر عليها تنظيم داعش وهي أيضاً في منتصف الطريق بين دمشق وبغداد، وهدف الأميركيين من السيطرة عليها يعني منع إيران والميليشيات المؤيّدة لها من السيطرة على طريق دولي يصل طهران برّاً بعواصم ثلاث دول عربية.
من جهته، يريد النظام السوري بالتعاون مع روسيا وإيران استعادة السيطرة على ما تبقى من محيط “تدمر” والتقدّم إلى مدينة “دير الزور” ووصل الطريق الدولي بين سوريا والعراق وأكد ذلك وزير الخارجية السوري وليد المعلّم بقوله “الآن التوجه وهو هدف أساسي أن نصل إلى دير الزور..”
سيكون الأسوأ بالنسبة للأميركيين أن ينفتح هذا الطريق برعاية روسيا.
الخلاف على تركيا
ما يؤرق الأميركيين بشأن التصرفات الروسية هو أن مساعيهم للتفاهم مع موسكو خلال الأشهر الماضية باءت بالفشل، وتبدو روسيا خطراً حقيقياً على النفوذ الأميركي، وليس واضحاً لدى الأميركيين إن كان لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي نيّة للتعاون مع إدارة ترمب.
فخلال الأشهر الماضية سعت روسيا لتعميق الخلاف التركي الأميركي في سوريا، وأعطت روسيا دوراً لتركيا كضامن آخر لمسار أستانا، فيما لم تصل واشنطن إلى أي توافق مع أنقرة على دور الميليشيات الكردية في سوريا. الأتراك مصرّون على أن الأكراد إرهابيون، والأميركيون يعتبرونهم الحليف الوحيد على الأرض في سوريا ويعتمدون عليهم للوصول إلى الرقة ودير الزور.
لائحة الخلافات الأميركية الروسية طويلة وجوهرية وأصعب ما فيها أن الدولتين تنظران الآن إلى سوريا ليس فقط من باب القضاء على الإرهاب، بل من باب النفوذ في الشرق الأوسط.
- المصدر: العربية نت
عذراً التعليقات مغلقة