لتكونوا شهداء

خديجة جعفر2 مايو 2017آخر تحديث :
لتكونوا شهداء

انتهت روسيا من حلب! قصفت مشافيها ومبانيها، وقتلت مدنييها، ثمّ أخرجت الذين لم تنجح في قتلهم من ديارهم. الدور الآن على حماة، المحافظة التي تسيطر على ريفها الشمالي فصائل ثورية وأخرى جهادية.

الخطّة الروسية باتت معروفة ومجرّبة من قبل وناجحة، جُرّبت في حمص، وجرّبت في داريا، وجرّبت في حلب: قصف المستشفيات والكوادر الطبية، إخراجها عن العمل، ثمّ قصف المباني السكنية وهدمها على رؤوس ساكنيها. سيقتل أغلب المدنيين، ويصاب الآخرين بجروح خطيرة. لن يجدوا علاجًا فقد قصفت المشافي للتوّ، وخرجت عن العمل. سيشاهد العالم ذلك، ولن يعبأ به كثيرًا. تنفّذ هذه الخطّة المجرمة الآن في حماة وفي إدلب.

 الدفاع المدني السوري، أو الخوذ البيضاء، أفشل الخطّة الروسية، جزئيًّا ورمزيًّا، فرجال الدفاع المدني مدرّبون على إنقاذ الأحياء الذين ينتظرون الموت تحت الأنقاض، وقد نجحوا في إنقاذ ما يزيد على  855 ألف حياة كان للطيران الروسي أن ينجح في قتلها.

لم يعجز الطيران الروسي المجرم عن قصف مقرّات الدفاع المدني السوري، وقتل رجاله. فعل ذلك في حلب منذ شهور في غاراته اليومية على المدينة، ومنها غاراته المتعددة على مقرات الدفاع المدني.

الخطة الآن تنفّذ في حماة. قصف الطيران الروسي والطيران الأسدي المستشفيات في حماة وأخرجها عن السيطرة، ما دعا لإعلان مدن ريف حماة الشّمالي مدنًا منكوبة بالكامل. قصف الطيران الروسي مقرّات الدفاع المدني يوم السبت الماضي 299 إبريل ليقتل ثمانية من رجال الخوذ البيضاء، ويحرم المدنيين من الإنقاذ ومن العلاج، فلا يجدوا أمامهم سوى الموت.

في هذه اللحظة التي لا يمكن فيها مجابهة عدوّ مجرم، يقصف ليقتل، ولا يواجه، يقتل الجميع دون تمييز ، وبحصانة كاملة، فلا يتهمه المجتمع الدولي بالإرهاب، لأنّه دولة حديثة عظمى معترف بها، ولأنّه يستخدم جيشه النّظامي، ولأنه لا يقتل سوى السوريين على الأرض السورية. في هذه اللحظة التي يزيد العدوّ  فيها في الإجرام فيقصف ويقتل فريقًا متطوعًا نذر نفسه لإنقاذ العالقين الأبرياء بين الأنقاض. لا يبق في هذه اللحظة، في الحقيقة، سوى فعل الشّهادة.

رسالة وعمل الخوذ البيضاء في الأساس هو إنقاذ الأرواح العالقة بين أنقاض وبقايا البنايات التي هدمها الطيران الروسي. إنقاذ الأحياء والحفاظ على الحياة هو شعار المنظمة: “ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعًا”.

ولكن تحقّق المنظّمة رسالة أخرى، ليست أقلّ أهمية على الإطلاق من إنقاذ الحياة، وهي رسالة “الشهادة.” الشهادة على الجريمة الكبرى التي تواطأ العالم لتنفيذها في سوريا، لإبادة أهلها، وإبادة مدنها، وإعادة بناء سورية جديدة بمدن جديدة وسكّان جدد على أنقاض أشلاء أهلها وذاكرتهم، وبيوتهم، وأراضيهم.

الخوذ البيضاء، منظمة معترف بها دوليًّا وقد حصد فيلم وثائقي عن المنظمة جائزة أوسكار منذ عدّة أشهر ، واختير رائد صالح، رأس المنظمة من ضمن قائمة مجلة التايمز الأمريكية للمائة الأكثر تأثيرًا. ولذا فلن ينقصها الاعتراف لتقدم شهادَتها، وشهاداتها على المجزرة.

فريق الخوذ البيضاء لديه بالإضافة لمقراته، منصّات إعلامية يوثق من خلالها أحداث وشهداء المجازر الروسية كل يوم. ولذا، فإنّ الطيران الروسي يستهدفه ليس فقط لأنّه يقوم بمهمة إنقاذ المدنيين العالقين بين الموت والحياة تحت الأنقاض، ففي أحيان، توافق روسيا على تهجير المدنيين عوضًا عن قتلهم؛ ولكن في الحقيقة، لأن الخوذ البيضاء هم شهداء أحياء على المجازر، مقدّرون على المستوى الدولي، وبوسعهم في المستقبل أن يقدّموا شهاداتهم أمام المحاكم على المجازر التي كانوا يومًا شهداء عليها.

المصدر مصر العربية
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل