إدلب.. المصير المجهول

يمان دابقي29 أبريل 2017آخر تحديث :
إدلب.. المصير المجهول

* يمان دابقي

ثمَّةَ من يسأل أيَّ مصيرٍ مجهول يُجّهز لمحافطة إدلب السورية، بعد الاستهداف الممنهج لـسبعة مشافي ميدانية، وخروجها عن الخدمة، من الطائرات الروسية، في استحضار للذاكرة عما جرى في مدينة حلب أواخر العام المنصرم.
ما حدث من استباحة لحلب بشرعنة دولية، وتواطؤ عالمي وتخاذل عربي، يضعنا اليوم بشكل مباشر أمام مخاوف تكرار المصير نفسه، بالأيدي الروسية الإيرانية الأسدية نفسها، وإلا ما تفسير المعارك البربرية المفتوحة من ثلاثة محاور، في ريفي حماه الشمالي وحلب الغربي وريف جسر الشغور، مع غطاء روسي للمليشيات وقصف مكثف للمناطق السنية، بُغية تفريغها من ساكنيها، وعزلها عن نقاط التماس مع مناطق معسكر الاحتلال .
كثيرة كانت التحذيرات التي أطلقها ديمستورا قُبيل تنفيذ واقعة حلب، حتى الروسي هدَّد ونفذ، بعدما أغرق العالم بأكذوبة الممرات الإنسانية، وحماية المدنيين، والنتيجة كانت تهيئة الظروف الموضوعية للانقضاض على المدينة.
جاء احتدام المشهد العسكري في إدلب عقب مجزرة الكيماوي في خان شيخون في الرابع من إبريل/ نيسان الحالي، في خطوة تشير إلى تحقيق السيطرة على خان شيخون، وطمس معالم الجريمة المتورطة بها إيران ورسيا بتنفيذ أسدي.
استمرار الخلاف بين المعسكر الغربي مع المحور الروسي، بشأن تشكيل لجنة تحقيق دولية، وإرسالها إلى خان شيخون، تتخلله مناورة روسية، أساسها المماطلة واستثمار الوقت، لتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض، تتعدى، في جوهرها، أبعد من موضوع التحقيق في مرتكبي المجزرة.
تفيد المعلومات، حسب قادة عسكريين، بأنّ روسيا تسعى إلى تأمين العمق الاستراتيجي لها في مثلث معسكر جورين، كنسبا، ربيعة، وهو المثلث الأهم لروسيا، لعمق مصالحها في الساحل السوري. وما الاستماتة الروسية في كسر خطوط الدفاع في معارك حماه، طيبة الإمام وكفر زيتا وحلفايا إلا بداية لتطبيق سياسية فرز المناطق وعزل ريف حماه عن ريف إدلب، تحسبّاً لأي تسوية سياسية قادمة، فضمان المصالح بالمنطق الروسي أهم بكثير من أي حديث عن مصير الأسد، الذي على ما يبدو سيكون تحصيل حاصل، لحظةَ نضوج التفاهمات الدولية المبنية في سورية على أساس محاصصة مناطق النفوذ .
بالعودة إلى إدلب، ما يُبيّت للمدينة غير واضح حتى كتابة هذ السطور، فيما الأهالي أنفسهم يتوقعون إبادة جماعية لهم، لا قدر الله؟ وما شعورهم هذا إلا بسبب إعتقادهم أنّ الفصائل ستبقى عاجزةً عن نبذ الخلافات، والتوّحد تحت راية واحدة لمواجهة الزحف لمليشات النظام، ويقولون حلب خير مثال.
وتُطرح الأسئلة نفسها للفصائل عن المصير الغيبي لهم، وما المانع اليوم من الاستفادة من تجرية حلب، حتى لا تُعاد ثانية، أليست الحاجة والضرورة تقتضي الكفَّ عن تقاذف الاتهامات، وتبادلها بين فصائل إسلامية ومعدلة، في الوقت الذي بات العالم ينظر إلى إدلب أنها بئر لتجمّع الإرهاب.
تفعيل الوعي الجمعي عند كبرى الفصائل والإحساس بمصير الملايين من الناس هو الأولوية التي يجب أن لا يتم تجاهلها عند الفصائل الإسلامية، وخصوصا هيئة تحرير الشام ، فلا هم قادرون على حماية المدنيين من الطيران، ولا هم فاتحون معارك جوهرية تؤلم النظام، ولا هم مقتنعون بدولة مدنية، تُلّبي مطالب الشعب، المتعطش بعد كل ما قدّم من تضحيات بتحقيق دولة مدنية متعددة الأعراف في مجتمع يكون شعاره ممارسة الحرية بسلام.
وحتى لا نكون مثاليين، قد يسأل مطلع: أمام محور الشر هذا، المدجج بأكبر ترسانة عسكرية جوية برية في سورية، وميول كامل المعادلة لصالح النظام بفعل الحلفاء، والتزام معظم الفصائل لأوامر الخارج، كيف يمكن تجنب المحرقة المقبلة في إدلب، إذا ما سلمنا بالخيار الروسي الماضي في الحسم العسكري؟
ربما يمكن الاستفادة من التجارب التاريخية، فلدينا تجارب عديدة حقّقت المستحيل بفعل الإرادة والتصميم، لعل أبرزها استراتيجيات الحروب الشعبية في الثورات، ففي الثورة الفيتنامية في ستيينات القرن الماضي، تمثلت استراتيجية النضال المسلح للثورة الفيتنامية نموذجاً قديماً حاضراً، حققت نتائج أسهمت في تحقيق حرية الشعب الفيتنامي.
أثبتت الثورة السورية، وعبر سنينها الماضية، أنها ليست كمثلها ثورة على مرّ التاريخ، وهي فعلاً تختلف بطبيعتها عن كل الثورات في التاريخ، حتى أننا لم نشهد تآمراً عالمياً على هذه الثورة، كما نراه اليوم من دول غربية وعربية، تصفي حساباتها على حساب الدم السوري.
أمام مهانة العيش، لم يعد للسوريين ما يخسرونه، حتى يلتزموا الصمت على ما يُحاك لمدينة إدلب، وعلى قدر المسؤولية والأمانة، يكون العمل عند شرفاء الأمة، ومن ناصرهم، لقلب الطاولة على النظام، لنيل الحرية لأبنائنا، من أجل مستقبل يسوده السلام والأمان.

  • نقلاً عن: العربي الجديد
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل