ثورة القيم والأخلاق ومجزرة “الراشدين”

يمان دابقي23 أبريل 2017آخر تحديث :
ثورة القيم والأخلاق ومجزرة “الراشدين”

* يمان دابقي

مفارقةٌ واضحة ماثلة بين أيدينا عن صور ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي لمجزرةٍ مروعة في حي الراشدين في حلب، إذ اختلط الدمُ السوري لأول مرة بين شهيدٍ وجريح من أنباء سورية الواحدة، واكتملت الصورة عند مؤيدي النظام المصرّين على أنّها حرب طائفية بين سنة وشيعة .
بيد أن ما حدث يُعطي دروساً أخلاقية وإنسانية لكلّ من سوّلت له نفسه أن يبثًّ السُمًّ في ثورةِ الحرية المستمرة بِعامها السابع، ضد نظام استبد واستجلب كلّ شذّاذ الأرض لتحوير مسار الثورة من حرب ضد الظلم والاستبداد إلى حربٍ ضروس أهلية تأكل أبنائها.
على وقع تطبيق اتفاقية المدن الأربع، وعمليات التبادل بين أبناء كلّ من أهالي مضايا والزبداني وكفريا والفوعة، الموّقعة بين جيش الفتح وإيران، جاء التنفيذ في 15 من إبريل/ نيسان الحالي، بعد موجة غضب عارمة من مؤسسات المجتمع المدني والكيانات المعارضة العسكرية والسياسية الرافضة لها.
بعيداً عن المسبّب والمستفيد من الكارثة اللا إنسانية، نقلتنا مجزرةُ الراشدين إلى مكان آخر، هو ذاك الأصل الذي تربّى به المواطن السوري، ونهل منه خصائل أخلاقهِ الكريمة المجبولة بفطرته الإنسانية الخيرة النبيلة، خلال لحظة فارقة، ظهرت كل هذه الصفات في ساحة الراشدين، وتحوّل الثائرون السوريون من مقاتلين وإعلاميين إلى مسعفين للمصابين والجرحى.
لم تدفعهم شهيةُ الانتقام الامتناع عن تحكيم الضمير الأخلاقي، فأبوا أن تَغلب على إنسانيتهم مشاعر الحقد والظلم، لإظهار الابتسامات واللامبالاة أمام أشلاءٍ تناثرت في الهواء، وذهبت أرواحهم بيدٍ غادرة هي ذاتها اليد التي مدًّت لهم يد العون خلال فترة الحصار .
ما أشبه اليوم بالأمس، وكم هو غريب ومريب الذي يحدث في بلدنا، وكم من دروسٍ علت فوق رؤوسنا لم ننتبه لها.
في الأمس القريب في خان شيخون، صعدت أرواحٌ إلى بارئها بلا قطرة دم واحدة، هزت أركانَ الإنسانية في أنحاء العالم العربي والغربي، ودخلت على إثرها الثورة في محطة أخرى.
مؤسف جداً عند أبناء الوطن الواحد أن تحيا الإنسانية في مكان، وتموت في مكان آخر، إذ لم تُحرّك صور مشاهد الموت لأبناء خان شيخون مشاعر من يقفون مع النظام، ولا حتى لامست ضمائرهم المحشوة بأفيون الكره لأبناء وطنهم، فتراهم يسخرون ويتلذذون كلّ يوم بمشاهد القتل والتعذيب.
يتباكون علينا، ويفرحون بموتنا ويقذفون التُهم علينا، غير آبهين بتفتيت النسيح السوري المستننزف منذ ست سنوات، وعند الحديث عن ما تبقى من هذا النسيج، رأينا أنّنا لم نعد نملك مقومات شعب يساهم في بناء وطن.
واقعةُ الراشدين هي معركة انتصار الحق على الباطل، انتصار القيم والأخلاق، على محور الشر المغذّي لشهيةِ القتل.
ليس الوطن وحده هو المشترك بيننا، الإنسانية هي المفهوم الشمولي التي يحيا وطننا بها ونحيا نحن بها.

  • نقلاً عن: العربي الجديد
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل