أخلت وزارة الدفاع الروسية مواقعها في اللواء 14، التابع لإدارة القوى الجوية والمعروف بـ«مطار حماة العسكري» مع تزايد التهديدات الأمريكية عن احتمال توجيه ضربة أخرى على قواعد عسكرية تابعة للنظام السوري، في خطوة احترازية تخفف من خسائر القوة الجوية الروسية في حال قامت واشنطن بقصف أهداف جديدة.
ويترافق هذا الانسحاب مع تركيز المسؤولين الأمريكيين على انتقاد قصف النظام للمدنيين بالبراميل المتفجرة، ويعتبر مطار حماة مصنع البراميل المتفجرة وقاعدة انطلاقها في الشمال السوري. ويتحمل طياروه المسؤولية عن قتل عشرات آلاف المدنيين السوريين من الأطفال والنساء نتيجة قصفهم بالبراميل المتفجرة على الأحياء المكتظة بالأهالي شمالي سوريا.
في السياق، أعلن النظام السوري اقلاع طائرة سو-22 من مطار الشعيرات بعد يومين من قصفه بصواريخ توماهوك، محاولا تقليل حجم الخسائر المادية في المطار الحربي والذي يعتبر مقرا لقيادة الفرقة 22 التابعة للقوى الجوية، والتي تتبع لها أغلب مطارات المنطقة الوسطى والشمالية، ومقرا لقيادة اللواء 50 دفاع جوي. ويضم المطار ثلاثة أسراب للطائرات المقاتلة، سرب ميغ 21، سرب ميغ 23، وسرب سو-22.
وكذب المحلل العسكري والطيار السابق، العقيد أديب عليوي، الادعاءات التي أعلنها النظام السوري حول إقلاع طائرة السوخوي من مطار الشعيرات. وقال لـ «القدس العربي»: «مارس النظام الخداع في هذه المسألة، فمعظم مراكز القيادة والسيطرة والأبراج خرجت من الخدمة وتضررت بشكل كبير، الأمر الذي يعطل مقدرة الطيران على الإقلاع والهبوط حتى لو بقيت الطائرات سليمة».
وشرح عليوي مسألة ترميم كتائب الهندسة لمدرج الطائرات: «في حال القذائف الصغيرة يمكن إصلاح المدرج بسرعة كبيرة، لكن القصف بصواريخ توماهوك سيخلف حفرا كبيرة بحاجة إلى رصف جديد يستغرق وقتا طويلا».
ورجح أن تكون القواعد الجوية قد أعطت «إنذارا كاذبا تسمعه مراصد المعارضة التي تتبع حركة الطيران». ونفى إمكانية الهبوط، وشدد أنه «حتى لو شوهدت الطائرة تقلع من الشعيرات -وهذا لم يحدث – من الممكن ان يحدث مع أمر الطيار بالطيران بعد الهبوط على المدرج، وهو ما يعرف في المصطلح الجوي باسم رولو».
مصادر عسكرية ونشطاء في القلمون الشرقي أكدوا رفع العلم الروسي على أكبر قاعدة جوية سورية، وهي مطار الضمير العسكري، والذي يعتبر مقرا لقيادة الفرقة 20 التابعة لإدارة القوى الجوية، وذلك خشية استهدافها من قبل واشنطن في حال قررت استئناف الضربات على القواعد الجوية للنظام السوري، والتي يعتقد أنها تضم مستودعات للسلاح الكيميائي أو تلك التي انطلقت منها طائرات النظام للقصف بالغازات السامة.
ومن المرجح أن يكون مطار حماة العسكري هو ثاني بنك أهداف لدى البنتاغون في سوريا، إضافة إلى مستودعات «الفرقلس» في ريف حمص الشرقي والتي تواترت أنباء عن قصفها بصواريخ توماهوك كونها مستودع السلاح الكيميائي القريب على مطارات حمص الشرقية، في الـ T4 والشعيرات ومطار تدمر. كذلك، تعتبر معامل الدفاع في السفيرة شرق حلب، ومعامل تقسيس جنوب حماة، هدفين محتملين. وما يزيد من فرضية وضعهما على لوائح الأهداف هو تغيير الحركة اليومية اليهما وتخفيف اعداد الموظفين والعاملين فيهما ونقلهم الى مناطق أخرى.
إلى ذلك، بدت علامات الخوف والشحوب على وجوه أغلب الطيارين وقادة الألوية، حسب الفيديو الذي بثه التلفزيون السوري الرسمي لزيارة رئيس هيئة الأركان العامة في جيش النظام، العماد علي أيوب، إلى مطار الشعيرات. واتضح هذا خصوصا لدى العميد الطيار محمد يوسف الحاصوري، المتهم بقصف خان شيخون بالمواد السامة في الرابع من نيسان/أبريل الجاري، والذي كان يقود الطائرة «قدس1» التي شنت الهجوم في خان شيخون.
سياسيا، لم يصدر عن المعارضة أي تحرك لافت تستثمر من خلاله القصف الأمريكي لصالحها، سوى بيانات ترحيب من فصائل الجيش الحر والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، حتى زيارة المنسق العام للهيئة العليا للتفاوض، رياض حجاب. لم تستغل بالشكل الكافي سياسيا مع تبدل الموقف الأمريكي من نظام الأسد.
وينتظر من «الائتلاف» عقد مؤتمر للمعارضة بشقيها السياسي والعسكري لبحث تداعيات الضربة الأمريكية وبناء استراتيجية جديدة، تخرجها من حالة الركود والتكلس التي دخلت بها منذ عامين. وعلى المعارضة قراءة الأولويات الأمريكية بشكل دقيق، فتوجيه ضربة عسكرية لقاعدة جوية تابعة للنظام، يعني بالطبع القطع مع الأسد بشكل نهائي، واتهامه انه مجرم حرب يعني بكل تأكيد ان عودة عقارب الساعة إلى ما قبل قصف الشعيرات هو أمر بعيد الاحتمال.
إعلان الخارجية الأمريكية عن أولوياتها المتمثلة بحرب تنظيم الدولة وتقليص دور إيران مع الاستمرار في عملية المفاوضات السياسية والبناء على انتقال سياسي لن يكون الأسد جزءا منه، يحتاج إلى بحث الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن من قبل المعارضة السورية، وبالتحديد في ملف محاربة الإرهاب والحرب على التنظيم.
وفيما ترتب واشنطن مع روسيا طريقة خروج الميليشيات الشيعية الإيرانية وميليشيا حزب الله اللبناني، فإن التفاؤل الذي تعيشه المعارضة ربما يكون صحيحا إلى حد بعيد. لكن تغير الموقف الأمريكي بحاجة إلى عمل المعارضة، أكثر بكثير من وقت إشاحة أمريكا وجهها عن الملف السوري، وتركه للروس يتصرفون به ويحلونه على طريقتهم.
- منهل باريش – القدس العربي
عذراً التعليقات مغلقة