مابين “الهزيمة” في اليابان، و”مجازر الاستئصال” في سورية

نوال سباعي14 مارس 2017آخر تحديث :
مابين “الهزيمة” في اليابان، و”مجازر الاستئصال” في سورية

  • نوال سباعي

ليس ماكتبه ويكتبه الأستاذ “عمر إدلبي” يأساً، ولاتراجعاً عن الثورة ، ولكنه البصيرة الناقدة للواقع الذي نعيشه ، بهدف تلمس كوى النور في نهاية هذه الطريق الموحشة.

قرأ علي ابني”خالد نصّار” نصاً من كتاب عن نهضة اليابان في سياق بحث ماجستير يعده عن “إعادة تعمير سورية” ، جاء فيه: “لقد كانت الخطوة الأولى في استعادة اليابان ونهضتها اعتراف اليابانيين بالهزيمة”.

لكن الفرق بين الحالة السورية والحالة اليابانية، هو كالفرق بين المشرقين.

نحن لم نُهزّم .. نحن ذُبِحنا ونُذبَح في حرب اسئصال يشنها علينا العالم بكل أجنحته الاستعمارية ، هكذا حرفياً !

اليابان كانت امبراطورية موحدة واحدة، يتزعمها امبراطور يحترمه شعبه، كل شعبه، يقدرونه ويعتبرونه ممثلهم وقائدهم وملهمهم حقاً وفعلاً ، وويعبدونه كنصف إله، لقد قاتل اليابانيون صفاً واحداً ، امبراطوراً وجيشاً وشعباً ضد الأعداء .. وبعد قتال المستميت، واستنفاذ كل وسيلة ممكنة ، وبعد هيروشيما وناكازاكي قام الامبراطور بنفسه نيابة عن شعبه ، بإعلان الهزيمة والاستسلام أمام موظف حقير في الجيش الأمريكي ، لينقذ مايمكن إنقاذه من بلاده ، معترفاً بأنه لاقِبل له باستمرار الحرب.

أما في سورية .. فإن نصف الجرذ الذي تعبده فئة واحدة من أقل الأقليات المتغولة في البلاد ، لايتمتع باحترام أحد من بقية أفراد الشعب، ولابأي نوع من أنواع المصداقية، ولا القبول .. فلقد تحدى الشعب، وكذب عليه، وقارعه بالامتهان، وجال وصال في معاركه الدونكيخوتية الإعلامية الإعلانية بالبهتان والتلبيس والخديعة وقلب الحقيقة وسرقة الحق وادّعائه!

قاتل السوريين هو وأسرته وطائفة نظامه بحقد مابعده حقد ، وبكراهية نبشوا قبورها من أسقط مافي التاريخ من حكايات، جعل جيشه وقوى أمنه في مواجهة الشعب بالمجازر والفظائع لإعادته إلى حظائر الخوف والرعب القديمين.. ولما عجز عما هو فيه وشعر أن أركان حكمه الطائفي الإجرامي تتهاوى تحت صيحات الشعب يريد الحرية، استعان بأذيال المستعمرين في العراق ولبنان ، فلما عجز هؤلاء عن لجم الجمهور الغاضب اضطرت إيران المستوطنة سورية منذ ثلاثين عاما، ثم روسية المستعمرة الشبحية منذ أربعين عاماً ، اضطرتا إلى التدخل المباشر في البلد ، ومازال “النظام الروسي الإيراني وذيله الأسد” يقايضون الغرباء والدخلاء والأعداء واحدا إثر واحد على سورية وشعبها وثرواتها ومستقبلها ووجودها، بعد أن أفرغوا البلد من ثلث سكانها من الأغلبية بالفظائع والتدمير.

هل ماحصل في سورية هزيمة علينا الاعتراف بها ؟!

في سورية لقد هُزِم الجميع!

ماحصل في سورية ، هو هزيمة النظام أمام حقيقته، وهزيمة الشعب في مواجهة نفسه، وهزيمة النظام السياسي العربي الرنانة أمام واقع جرائمه وعمالته، وهزيمة الواقع ”العربي“ أمام انكشاف تهافت أسس قيامه المُدّعاة، وهزيمة الحركات الفكرية والسياسة الإسلامية وغير الإسلامية في مواجهة عجزها عن مجاراة الشعوب وفهم الواقع، وهزيمة المجتمع الاستعماري الدولي أمام كذبه وفجوره وقيامه على جماجم الشعوب يتلمظ بالتغذي على دمائها!

نحن لم تهزمنا قوى عسكرية متغولة ، ولكن هزمنا من تنطع لقيادة الثورة فذهب بها كل مذهب غير وجهتها الحقيقية.

لم تهزمنا الدول التي تستعمرنا منذ ثلاثين عاما في صمت وشبحية ، ولكن هزمت الحرب الدائرة على الثورة الأجنحة العسكرية للثورة والتي إئتمرت وسلمت مقاليد أمورها لكل من موّل وحاول تجييش الثورة لصالحه.

نحن لم يهزمنا النظام …ولكننا تعادلنا معه في ميزان معركة عنوانها :”العوز الأخلاقي“ 

مايحدث في سورية ليس هزيمة “ثورة” ، فالثورات لاتُهزَم أبدا .. إنه هزيمة نظام استبدادي فاسد افتُضِج وانتقل من مواقع الطنطنة بمقاومة الأعداء ، إلى التلبس بالسجود لهم ولعق أقدامهم ، وهزيمة شعب خرج يهتف للحرية والكرامة ، لكن آثار عبودية وامتهان أربعين عاماً ، مع استلاب هويته، وضياع بوصلته، كانت قد تركت جراحها في عنقه وروحه عميقا عميقا.

هُزِم النظام في مواجهة الشعب رغم استعانته بالعالم كله لقمع هذا الشعب .

وهُزِم الشعب في مواجهة نفسه رغم ثباته الأسطوري في وجه حرب الاستئصال الدولية التي تُشَنُّ عليه.

نحن أبعد مانكون عن أن تشبه حالنا اليوم حال اليابان إبان هزيمتها “المنطقية” أمام القنابل النووية ، لأن مايجري في سورية اليوم هو أبعد مايكون عن أي منطق أخلاقي أو حضاري أو حربي أو سياسي!

يمكننا أن نشبه اليابان في معاني الصمود الحضاري والأخلاقي التي يشكل التمسك بها معيار النصر الحقيقي والهزيمة ، وأنهم أتوا من الموت أشباحاً ممزقة ، فبنوا بلادهم في دأب وصمت وكثير من التصميم على القيامة ، يمكننا أن نحاكي اليابان في إعادة بناء أنفسنا ومجتمعنا ومستقبل أبنائنا، يمكننا أن نتعلم من اليابانيين ثباتهم والتفافهم على هويتهم، وقدرتهم على إعادة تدوير الألم ليزهر ربيعاً في قلب الأهوال.

هُزِم في سورية ”الجميع“ ، إلا القلة القليلة من النخب الأخلاقية الثابتة المرابطة على ثغور الحق، والثورة باقية.. لأن الثورات تولد لكي تبقى ، تتحول مساراتها ، تتبدل أساليبها ، تتغير أدواتها، لكنها لاتضمحل ولاتتوقف ولا تفنى.

الثورة في المنطقة العربية ، انفجرت، وهي تمضي في طريقها ”المنطقي“ على الرغم من كل مايحيط بها اليوم من حالات انهيار المنطق.

الثورة ماضية في طريقها لا تلوي على أحد ولاعلى شيء ، كائنة ما كانت العراقيل التي تقف في طريقها، وكائناً ما كان حجم الضريبة التي تدفعها الشعوب في سبيل خلاصها، وكائنة ماكانت نتائج الحروب الدولية الناشبة بين أطراف العالم الاستعماري على هامشها.

على هذا الفهم وحده… تتوقف قدرتنا على الخروج من هذا التيه الذي دخلناه بمحض إرادتنا.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل