لاجئ حتى إشعار أخر!

ساري الساري11 مارس 2017آخر تحديث :

  • ساري الساري

مرّت أكثر من عشر ليالٍ وأنا أعيش مع صديقي حياة الإنسان البدائي الأول بين الغابات والأدغال، نأكل من ثمار الأشجار أو صيد بعض الطيور وأحياناً لا نأكل أي شيء، من هنا بدأت قصة المعاناة مع اللاجئ السوري عبد الله حجازي الذي أعادته الشرطة اليونانية قسراً إلى مدينة أدرنه التركية بعد قدومه إلى اليونان لزيارة أحد أقاربه في أحد الجزر اليونانية.

عبد الله حجازي شاب سوري من مواليد مدينة حماة يبلغ من العمر 27 عاماً، حاصل على إقامة لاجئ في ألمانيا لمدة 3 سنوات. يتحدث عبدالله عن قصته منذ البداية ويقول: كانت أصعب لحظات حياتي عندما قررت ركوب البحر والمغامرة، حالي كحال باقي السوريين الذين عبروا البحر إلى أوروبا، فوجدت أحد المهربين الذي نصحني به أحد الأصدقاء وقال لي أن هذا المهرب “ابن حلال” فاتفقت معه على موعد الانطلاق.

في البداية لم أكن خائفاً لأنني أجيد السباحة بشكل جيد بالإضافة إلى أنني قد قمت بشراء سترة للنجاة وقت الغرق، مضت نصف ساعة أو أكثر ونحن نبحر، كان الوضع هادئاً ولا أحد خائف حتى بدأ “البلم” (قارب مطاطي) بالتأرجح ونحن في عرض البحر وبداخل البلم ما يقارب الأربعين شخص، لم أكن خائفاً عندما بدأت الأمواج بالارتفاع لكن بكاء الأطفال والنسوة قد ترك شيئاً من الذعر في داخلي، كانت لحظات في غاية الصعوبة فالجميع كان مرعوباً من هول المصير المحتمل إلى أن قررت التخفيف عنهم وقلت لهم أن الأمر طبيعي جداً ولا داعي للخوف واضطررت للقول أنها المرة الثالثة التي أركب فيها بالبلم حتى أنني توليت قيادة البلم من أحد الركاب بحكم “خبرتي” الغير موجودة أصلاً، فمن عادة المهربين “ولادين الحلال” أن يوكلوا قيادة البلم لأحد الأشخاص مقابل إعفائه من المال.

يتابع عبد الله ويقول: بقيت أقود البلم حتى وصلت إلى الحلم المنشود وهي إحدى الجزر اليونانية والحمد لله لم يصب أيّ منا بأذى، كان الجميع فرحاً بالوصول بأمن وسلام، تابعت بعدها المسير حتى وصلت إلى مقدونيا ومنها إلى هنغاريا ثم ألمانيا حيث بدأت حياتي الجديدة. يتذكر عبد الله الشهور الأولى التي قضاها في الكامب المخصص لاستقبال اللاجئين فيقول: عانيت الكثير حتى حصلت على الإقامة فأمضيت أكثر من تسعة أشهر حتى حصلت على إقامة لمدة 3 سنوات، كنت أشعر بالسعادة لأنني قد بدأت أشعر بالأمان أكثر ونسيان رحلة اللجوء المريرة، بدأت بتعلم اللغة الألمانية وكانت لدي رغبة كبيرة بالعودة إلى الدراسة وإكمال مسيرتي التعليمية بعد أن حرمت منها في سوريا، أصبح لديّ الكثير من الأصدقاء وبدأت بالاندماج الحقيقي مع المجتمع الألماني، وبما أنني أستطيع السفر والتنقل داخل دول الاتحاد الأوربي قررت السفر إلى اليونان لزيارة أحد أقاربي العالقين هناك.

وصلت إلى الجزيرة والتقيت بالكثير من السوريين العالقين في الجزيرة لم يكن بمقدرتي مساعدة أي أحد منهم سوى تقديم الدعم المعنوي لهم وأن هنالك أخبار تفيد بأن الحدود ستفتح قريباً، بينما كنت أستعد للرجوع إلى ألمانيا قمت بشراء بعض الملابس وتوجهت إلى الكامب لأودع قريبي فأعترض طريق أربعة ملثمين انهالوا عليّ ضرباً بالهراوات حتى وقعت أرضاً وقاموا بسرقة هاتفي المحمول ومبلغ من المال بالإضافة إلى جميع الوثائق الخاصة بي بما فيها جواز السفر الذي حصلت عليه في ألمانيا فنهضت بسرعة ولم أستطع اللحاق بهم، وبينما كنت متوجهاً لأقدم بلاغ عما حصل معي للسلطات اليونانية استوقفتني سيارة تابعة للشرطة، فطلبوا مني الأوراق ولم أستطع أن أفهمهم ما حصل معي بالضبط فقاموا باقتيادي إلى قسم الشرطة، وجدت الكثير من الشبان السوريين في قسم الحجز، بقيت لمدة 3 أيام دون أن أستطيع التحدث مع أي مسؤول من الشرطة إلى أن قاموا باقتيادنا ليلاً إلى جهة مجهولة بعد أن وضعوا “طماشة ” ( قطعة قماش) على أعيننا وعبرنا نهراً صغيراً، فوجدت نفسي في غابة كثيفة الأشجار، بقيت خائفاً حتى شروق الشمس ووجدت بالمصادفة شخصاً أخر يدعى علي فقال لي أننا لا نزال في اليونان ويجب علينا العودة إلى الجزيرة قبل أن يقوم البوليس بإمساكنا.

بقينا على هذه الحال طيلة عشر ليال متتالية ونحن تائهان في هذه الغابة الكبيرة والموحشة حتى رأينا ضوءاً ينبعث من بعيد، قررنا المسير باتجاه الضوء حتى وجدنا منزلاً ريفياً صغيراً وخرج علينا صاحب المنزل وإذ به يتحدث باللغة التركية، تحدث معه علي كونه يجيد التحدث باللغة التركية فقال لي: والله يا صديقي نحنا بتركيا بمنطقة اسمها أدرنه، فضربت على رأسي وقلت: ما هذا الكابوس المزعج؟ كيف رجعت إلى تركيا مرة أخرى! فقال صاحب المنزل لصديقي علي: لا تحاولا العبور إلى اليونان من هنا فالشرطة اليونانية ستطلق عليكما النار وحكماً سيتم إلقاء القبض عليكما بسبب الحراسة المشددة من منطقة النهر. قام الرجل بإطعامنا وإعطائنا أجرة طريق إلى إسطنبول حيث يسكن أحد أصدقائي القدامى. لأعود بعدها إلى الصفر بسبب رفض القنصلية الألمانية في إسطنبول استقبالي أو حتى الاستماع إلى قصتي. وأنا في حيرة من أمري هل سأحتاج إلى مهرب “ابن حلال” مرة أخرى؟! أم أن قصتي ستلقى أذان صاغية! يختم عبدالله قصته ساخراً: لسى ما تهنيت بالإقامة رجعوني على تركيا.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل