وقال الجعفري إن الشرط الأول للنظام “هو أن تكون هناك معارضة وطنية سورية لا تطلب المساعدة من إسرائيل أو تركيا ولا تعمل وفقاً لأجندات المخابرات القطرية أو السعودية أو الأردنية أو الإسرائيلية”، على حد وصفه. أما الشرط الثاني “أن تكون هناك معارضة موحدة تتفق على جدول أعمال موحد”، مشيراً إلى أن النظام يبحث ما إذا كان سيعود لجولة المحادثات المقبلة.كذلك اعتبر الجعفري أن “الإنجاز الأهم في هذه الجولة كان الاتفاق على جدول أعمال من أربع نقاط رئيسية يخدم مصلحة الشعب السوري العليا”. وقال: “استطعنا أن نفرض جدول أعمال اتسم بالعقلانية والاتزان ويخدم مصلحة الشعب السوري العليا، والموضوع الذي تم التركيز عليه بشكل كبير هو مكافحة الإرهاب”، حسب تعبيره. وأضاف: “النقاط الأخرى تطرقنا إليها بشكل عابر عدا مسألة الانتخابات، والتي لم نتطرق إليها على الإطلاق، كما لم نناقش جدول الأعمال بشكل معمق بل اتفقنا عليه مجرد اتفاق”، وفق قوله. وأوضح أن ورقة دي ميستورا “مبنية على ورقتنا التي قدمناها في الجولة السابقة وستتم مناقشتها في ضوء تعديلاتنا”، على حد تعبيره.
ولم تسفر الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف السورية التي استمرت تسعة أيام عن نتائج ملموسة. والإنجاز الوحيد الذي أسفرت عنه الجولة يتمثل في تحديد جدول أعمال للجولة المقبلة، مع أنه لم يكن محط اتفاق كامل بين الطرفين، إذ اعتبرت المعارضة أنه يعبر عن وجهة نظر المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، أكثر من كونه اتفاقاً تم بتراضي جميع الأطراف.
ولعل الإنجاز الآخر الذي يمكن أن يحتسبه دي ميستورا في سجل “انتصاراته” هو عدم انسحاب أي من الوفود المشاركة، على الرغم من فشله في جمعها إلى طاولة واحدة، وهو ما وصفه دي ميستورا بأنه أمر إيجابي حتى الآن، معتبراً أن التفاوض غير المباشر هو الأفضل حتى الآن. وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في نهاية المفاوضات، قال المبعوث الدولي إن المفاوضات كانت “بالغة الصعوبة لكنها بناءة”، خصوصاً في أيامها الأخيرة التي شملت الحديث في “الإجراءات والجوهر” في إطار تطبيق القرار 2254. واعتبر أن ما تحقق حتى الآن، يتمثل في إقرار “جدول أعمال واضح، (مؤلف من) أربع سلال”. وأضاف: “السلة الأولى، إنشاء حكومة شاملة غير طائفية، في فترة 6 أشهر؛ السلة الثانية، خلال ستة أشهر أيضاً، البدء بعملية صياغة دستور جديد؛ السلة الثالثة، مناقشة إجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد وضع الدستور في غضون 18 شهراً وتحت إشراف الأمم المتحدة وتشمل اللاجئين السوريين ممن يحق لهم التصويت. أما السلة الرابعة، فأُضيفت لاحقاً بناء على طلب وفد النظام، وتركز “على مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية، والعمل على إجراءات بناء الثقة بين الطرفين”، وفق المسؤول الأممي.
وأوضح المبعوث الأممي أن السلة الأخيرة ستتناول “استراتيجية مكافحة الإرهاب”، في حين أن مفاوضات أستانة ستركز على عمليات مكافحة المنظمات الإرهابية وهي تشمل بحسب الأمم المتحدة تنظيمي “(جبهة) النصرة و(تنظيم الدولة الإسلامية) داعش فقط”. وقال إن السلال الأربع ستتم مناقشتها بالتوازي.
وهذه النقطة الأخيرة قد ينظر إليها بعضهم على أنها فشل لجهود المعارضة التي أرادت التركيز على عملية الانتقال السياسي وفق بيان جنيف 2012، قبل الانتقال إلى بند مكافحة الإرهاب الذي تريده أن يتضمن أيضاً مكافحة إرهاب النظام ومليشياته. غير أن المستشار الإعلامي في وفد المعارضة، المفاوض وائل علوان، قال في حديث لـ”العربي الجديد” إن المعارضة لا تخشى من طرح موضوع مكافحة الإرهاب، خصوصاً أن كثيراً من القرارات الدولية دانت النظام بارتكاب انتهاكات تصل إلى جرائم الحرب، وهو ما يندرج في إطار “إرهاب الدولة”. وأشار إلى أن وفد النظام يريد فقط من خلال التركيز على هذا الموضوع حرف أجندة المفاوضات والتشويش على البند الأهم وهو عملية الانتقال السياسي. واعتبر أن هذه النقطة، أي الانتقال السياسي، سيكون لها الأولوية في الجولة المقبلة، لافتاً إلى أن “المشاورات سوف تتواصل بين وفد المعارضة والمبعوث الدولي وفريقه حتى انعقاد الجولة المقبلة من المفاوضات بغية التوافق على البنود الأخرى المتعلقة بعملية الانتقال السياسي مثل الإجراءات الدستورية التي ترافق هذه العملية والمتضمنة في القرار 22544″، وفق قوله.
وبشكل عام، رأى علوان أن نتائج الجولة كانت مقبولة نسبياً في ضوء الضغوط التي مارستها روسيا على وفد النظام للقبول ببحث عملية الانتقال السياسي التي كان يتهرب منها سابقاً. لكنه يلفت إلى أن الأوضاع على الأرض قد لا تساعد في المحصلة على نجاح هذه الجهود نظراً إلى مواصلة قوات النظام قصف العديد من المناطق، تحت غطاء روسي، الأمر الذي يخفض من حجم الآمال بإحراز تقدم في الجولة المقبلة، وفق تقديره.
وإذ أكد دي ميستورا أن مساري “أستانة وجنيف يُكملان ويعززان بعضهما البعض، إذ تركز الجهود المبذولة في أستانة على وقف النار، وتدابير بناء الثقة القصيرة الأجل ومكافحة الإرهاب”، اعتبر علوان أن ضبط الأوضاع على الأرض المرتبط باجتماعات أستانة لا يبدو فعالاً. وأضاف أنه “بناءً على التجارب السابقة فإن ما يتم اتخاذه من قرارات في أستانة لا يجري عادةً احترامه على الأرض من جانب النظام وروسيا”، على حد تعبيره. وأوضح أن المعارضة تعول أساساً على “صمود أهلنا وفصائلنا في الداخل وعلى ضغوط المجتمع الدولي على النظام وعلى روسيا معاً لنجاح تلك الجهود”.
ومن المقرر أن تنعقد جولة جديدة من محادثات أستانة في 14 مارس/آذار. وقال مسؤولون روس إن محادثات جنيف قد تستأنف في 20 من الشهر ذاته.
وبشأن قضية المعتقلين في سجون النظام، والذين تقدر معطيات مختلفة أن عددهم يزيد عن 200 ألف، فقد تم تجاهلها تقريباً في مفاوضات جنيف، باستثناء لقاء جمع دي ميستورا مع نساء من ذوي المعتقلين. لكن المبعوث الدولي قال في تصريحاته الختامية “إنه سمع اقتراحات من الحكومة السورية تتعلق بمبادلة المعتقلين، وإن هذا الأمر يمكن أن يناقش في أستانة”.
وقبل ختام المفاوضات، وزّع المبعوث الدولي اقتراحات جديدة على الطرفين المتفاوضين تتضمن 12 مادة مثل التأكيد على سيادة سورية وعدم جواز التنازل عن أي جزء من أراضيها وأن سورية ستكون “دولة ديمقراطية وغير طائفية”. وشدد على “الحفاظ على القوات المسلحة قوية وموحدة لتحمي الحدود الوطنية وتحفظ شعبها من التهديدات الخارجية، وفقاً للدستور، وعلى أجهزة استخبارات وأمن تركز على صيانة الأمن الوطني وتتصرف وفقاً للقانون”، بحسب دي ميستورا.
وفي تعليقه على هذه المقترحات، قال رئيس وفد المعارضة، نصر الحريري، في مؤتمر صحافي، إنه بالفعل تسلم من دي ميستورا ما سماه بـ”لا ورقة”، والتي وصفها بأنها “مقبولة مبدئياً وتتوافق مع مبادئ المعارضة”، مستدركاً بأن هناك ملاحظات عليها ستُسلّم إلى المبعوث الدولي. ورأى أن هذه الجولة من المفاوضات انتهت دون نتائج واضحة، لكنها كانت إيجابيةً أكثر من سابقاتها، لأنها ركزت على عملية الانتقال السياسي، على حد قوله.
أما المندوب الروسي إلى المفاوضات السورية في جنيف، ألكسي بورودافكين، فقد اعتبر أن ورقة دي ميستورا يمكن أن تمثل أساساً للمفاوضات السورية، داعياً جميع أطياف المعارضة بمن فيها “منصة أستانة والأكراد لحضور مفاوضات جنيف المقبلة”. واعتبر أن مكونات “أستانة” تختلف عن مكونات جنيف في إشارة إلى فصائل المعارضة المسلحة التي قال إنها “جزء لا يتجزأ من العملية التفاوضية، وهذا ما يمنحها الحق في اختيار المسائل التي تراها مهمة في التسوية السياسية للنزاع السوري”، وفق تعبيره. وهذا ما فسر على أنه “انزعاج” روسي من وفد المعارضة، أو “وفد الهيئة العليا في الرياض” تحديداً، إذ تعتبر موسكو أنه متشدد “ويصادر” دور بقية “المعارضات”. ورأى أن “منصات الرياض أو موسكو أو القاهرة، لا تمثل سائر أطياف المعارضة السورية”، معرباً عن أسفه “لعدم دعوة الأكراد ومنصة أستانة وغيرهم إلى جولة جنيف الأخيرة من المفاوضات”، ومشدداً على ضرورة “ألا تبتلع” منصة الرياض هذه المعارضات”.
وكان وفدا “الهيئة العليا” و”منصة موسكو” قد أعلنا أنهما يسعيان لتشكيل وفد واحد، يضم أيضاً “منصة القاهرة” للمشاركة في الجولة المقبلة من محادثات جنيف. وقال رئيس بعثة “الهيئة العليا للمفاوضات” السورية إلى جنيف، يحيى القضماني، أن الهيئة تسعى لتشكيل وفد واحد مع منصتي “موسكو” و”القاهرة” بعد الجولة الحالية.
وعلى الأرض، واصل النظام تكتيكاته الرامية إلى تثبيت أكبر ما يمكن من الحقائق الجديدة التي تساعد في تحسين موقفه التفاوضي من جهة، وتستهدف “استفزاز” المعارضة ودفعها إلى الانسحاب من المفاوضات من جهة أخرى، كما حصل في جولات سابقة. وصعدت قوات لنظام خلال جولة المفاوضات من قصفها لعموم مناطق المعارضة، خاصة في الغوطة بريف دمشق والوعر بحمص، إضافة إلى ريف حلب ودرعا. ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 413 شخصاً في سورية، بعد مرور أسبوع على بدء مفاوضات جنيف، 88 بالمائة منهم قتلتهم قوات النظام السوري والقوات الروسية.
ومما له دلالته ويشير إلى الضغوط التي تمارسها القوى المختلفة على بعضها بعض ميدانياً، أن المفاوضات بدأت بسيطرة قوات “درع الفرات” التي تدعمها تركيا على مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، وتخللتها سيطرة قوات النظام على مدينة تدمر، لتنتهي باتفاق رعته روسيا بين الوحدات الكردية وقوات النظام السوري، تتسلم بموجبه الأخيرة العديد من القرى في غرب منبج، لتكون بمثابة سد في وجه قوات درع الفرات التي تسعى للسيطرة على منبج من الوحدات الكردية.
Sorry Comments are closed