غازي دحمان*
يوزّع بشار الأسد سورية على شكل حصص لروسيا وإيران، وحتى على المليشيات الحليفة، كل الأصول الإستراتيجية والاقتصادية، من غاز ونفط وفوسفات وشركات خليوي وعقارات، ومن موانئ وقمم جبال ومواقع إستراتيجية وأراض زراعية، صارت موزّعة باتفاقيات وعقود بيع وتأجير رسمية.
وإن استقرت الأمور على هذه الشاكلة، فهذا يعني أن السوريين، موالاة ومعارضة، لن يكونوا أكثر من عمال مياومين في المصالح والاستثمارات الإيرانية والروسية، وربما يتحوّل المحظوظون منهم إلى موظفين أمنيين (سيكورتي) وحراس لتلك المنشآت، مع ملاحظة أن بعض تلك الاتفاقيات اشترطت عدم اقتراب السوريين من المواقع والمنشآت التي تديرها روسيا، بعيداً عن شكل انتماءاتهم السياسية.
بالطبع، يدرك نظام الأسد هذا الأمر جيداً، لكنه يستثمره باتجاه آخر، حيث يُعتقد أنه كلما ورّط إيران وروسيا بمشاريع لهم في سورية ضمن استمرار بقائهم في الجغرافيا السورية، وضمن أيضاً دوام حمايتهم له من أي مطالبةٍ دوليةٍ محتملة، بإحالته إلى المحاكم الدولية، نتيجة أعمال الإبادة الوحشية، والتي لن تستطيع أي دولة ونظام، عدا إيران وروسيا، وربما بعض الأنظمة القمعية، إعادة تأهيله والتعاطي معه بسبب تلك الجرائم.
يندرج كل سلوك نظام الأسد وتصرفاته وأفعاله تحت خانة الهروب من اللحظة التي يصحو فيها العالم من صدمة الحرب، ويحصي نتائجها المهولة، مئات آلاف القتلى والمخفيين، وملايين الجرحى والمعوقين والمضطربين نفسياً. ولا شك أنه لحظة توقّف صوت المدافع، لن يكون هناك سوى صوت المنظمات الدولية التي ستكشف عن آلاف المجازر والمقابر الجماعية، وتستقصي خرائط المذبحة التي يخفي نظام الأسد الجزء الكبير منها.
وإن استقرت الأمور على هذه الشاكلة، فهذا يعني أن السوريين، موالاة ومعارضة، لن يكونوا أكثر من عمال مياومين في المصالح والاستثمارات الإيرانية والروسية، وربما يتحوّل المحظوظون منهم إلى موظفين أمنيين (سيكورتي) وحراس لتلك المنشآت، مع ملاحظة أن بعض تلك الاتفاقيات اشترطت عدم اقتراب السوريين من المواقع والمنشآت التي تديرها روسيا، بعيداً عن شكل انتماءاتهم السياسية.
بالطبع، يدرك نظام الأسد هذا الأمر جيداً، لكنه يستثمره باتجاه آخر، حيث يُعتقد أنه كلما ورّط إيران وروسيا بمشاريع لهم في سورية ضمن استمرار بقائهم في الجغرافيا السورية، وضمن أيضاً دوام حمايتهم له من أي مطالبةٍ دوليةٍ محتملة، بإحالته إلى المحاكم الدولية، نتيجة أعمال الإبادة الوحشية، والتي لن تستطيع أي دولة ونظام، عدا إيران وروسيا، وربما بعض الأنظمة القمعية، إعادة تأهيله والتعاطي معه بسبب تلك الجرائم.
يندرج كل سلوك نظام الأسد وتصرفاته وأفعاله تحت خانة الهروب من اللحظة التي يصحو فيها العالم من صدمة الحرب، ويحصي نتائجها المهولة، مئات آلاف القتلى والمخفيين، وملايين الجرحى والمعوقين والمضطربين نفسياً. ولا شك أنه لحظة توقّف صوت المدافع، لن يكون هناك سوى صوت المنظمات الدولية التي ستكشف عن آلاف المجازر والمقابر الجماعية، وتستقصي خرائط المذبحة التي يخفي نظام الأسد الجزء الكبير منها.
تشكل عملية توزيع سورية حصصا بين إيران وروسيا أحد بدائل الأسد للنجاة من مصير المحاكم الدولية، غير أن ثمة بديلا آخر، طالما سعى إلى اللعب عليه، وهو استمرار الحرب أطول فترة زمنية ممكنة. وعلى الرغم من أهمية هدف إخضاع الخصوم نهائياً، يراهن الأسد على هذا الخيار (دوام الحرب) باعتباره مخرجاً له من المصائر المحتومة. وبرأيه أن تحقيق هذا الامر ممكن، فالحرب استمرت في كولومبيا أكثر من ثلاثين عاماً، وصراع تركيا مع حزب العمال الكردستاني دام عقوداً، وفي الحالتين لم تتوقف عجلة الحياة في البلدين، كما استمتع رؤساء البلدين بعلاقات دولية جيدة وحياة شخصية لائقة.
مع استمرار الحرب أيضاً، وبذريعة استعادة كامل سورية، ربما لإعادة حصحصتها من جديد، سيضمن الأسد سكوت أنصاره وولاءهم، فهذه الفئة، بلا شك، أصيبت بجراح منهكة وقاتلة طوال سنوات الحرب، لكن سخونة الدماء منعتها من السقوط، ويخاف نظام الأسد أن يؤدي توقّف الحرب إلى برود جرحها واكتشافها كم هو عميق وقاتل.
لا أحد سمع من بشار الأسد قوله إنه انتصر في الحرب، على العكس، وفي كل تصريحاته، ما زال يتحدث بنبرةٍ تشي وكأن الحدث ما زال في أوله، بعكس حلفائه من الإيرانيين، وبخلاف حتى مؤيديه الذين احتفلوا بسقوط حلب، ولا يعكس هذا الأمر تواضعاً لم يتصف به، ولا واقعيةً ليست معهودة في الشخص الذي وصفه كل من التقاه في الأعوام السابقة بالمفصول عن الواقع، والهاذي بترّهات أغرب من الخيال.
الأدهى من ذلك كله أن الأسد لا يهادن، ولا يتعامل بأسلوب تهدئة الجبهات وتقليل الأعداء، فعلى الرغم من هجوع حدة الانتقادات الإقليمية والدولية ضد سياساته، إلا أنه لا ينفك يهاجم أوروبا وقيمها ومواقفها (تصريحاته للإعلام البلجيكي)، ولا يتعب من التطاول على تركيا ودول الخليج، وكأنه يرفض مناخات الهدوء، ويعتبرها خطراً حقيقياً عليه. لذا، يفضل دائماً ضخ مزيد من التوتر في شرايين الأزمة لتحافظ على منسوب اشتعالها.
مع استمرار الحرب أيضاً، وبذريعة استعادة كامل سورية، ربما لإعادة حصحصتها من جديد، سيضمن الأسد سكوت أنصاره وولاءهم، فهذه الفئة، بلا شك، أصيبت بجراح منهكة وقاتلة طوال سنوات الحرب، لكن سخونة الدماء منعتها من السقوط، ويخاف نظام الأسد أن يؤدي توقّف الحرب إلى برود جرحها واكتشافها كم هو عميق وقاتل.
لا أحد سمع من بشار الأسد قوله إنه انتصر في الحرب، على العكس، وفي كل تصريحاته، ما زال يتحدث بنبرةٍ تشي وكأن الحدث ما زال في أوله، بعكس حلفائه من الإيرانيين، وبخلاف حتى مؤيديه الذين احتفلوا بسقوط حلب، ولا يعكس هذا الأمر تواضعاً لم يتصف به، ولا واقعيةً ليست معهودة في الشخص الذي وصفه كل من التقاه في الأعوام السابقة بالمفصول عن الواقع، والهاذي بترّهات أغرب من الخيال.
الأدهى من ذلك كله أن الأسد لا يهادن، ولا يتعامل بأسلوب تهدئة الجبهات وتقليل الأعداء، فعلى الرغم من هجوع حدة الانتقادات الإقليمية والدولية ضد سياساته، إلا أنه لا ينفك يهاجم أوروبا وقيمها ومواقفها (تصريحاته للإعلام البلجيكي)، ولا يتعب من التطاول على تركيا ودول الخليج، وكأنه يرفض مناخات الهدوء، ويعتبرها خطراً حقيقياً عليه. لذا، يفضل دائماً ضخ مزيد من التوتر في شرايين الأزمة لتحافظ على منسوب اشتعالها.
لكن، إلى متى يستطيع بشار الأسد الاعتماد على هذه اللعبة في إدامة حكمه وإفلاته من المساءلة عن حرب الإبادة ضد السوريين؟ في الواقع، في الوقت الذي يعتقد فيه الأسد أنه يؤسس منظومة حماية كامله تقيه شر الأيام المقبلة، فإنه، ومن دون أن يدري، يقوم بتخصيب بذرة فنائه بيده، ذلك أن روسيا وإيران لن تتمكّنا من الاستفادة من مشاريعهما السورية، في ظل استمرار الأسد، وإنهما سيكونان مضطرين من أجل اعتراف الآخرين بمصالحهما واستثماراتهما في سورية إلى استبدال الأسد وإزاحته من المشهد، صحيح أنهم لن يأتوا بأحد الثائرين عليه مكانه، لكن بالنسبة للأسد كل بديل عنه هو عدو حقيقي، حتى لو كان شقيقه ماهر الأسد، وصراع والده حافظ الأسد وعمه رفعت على السلطة خير دليل على هذه الحقيقة.
من جهة أخرى، كان على بشار الأسد أن يدرك أن مفاعيل توزيع سورية آنية، ونوع من سداد الحساب بالنسبة لإيران وروسيا، وليست استثمارات مستقبلية وأبدية، تلك لها حساباتها المختلفة، وطالما أن المفاوضات قد بدأت وصار هو نفسه موضوعاً للتفاوض، فإنها إن لم تبدأ به ستنتهي به حتماً، بوصفه من عناوين الأزمة التي سيجري تفكيكها. ولن يطول الأمر كثيراً في ظل الزخم والحماسة الروسية، للوصول إلى تسوياتٍ غايتها الأساسية الاعتراف بالدور الروسي العالمي، وما عدا ذلك هامشيٌّ وقابل للتفاوض.
من جهة أخرى، كان على بشار الأسد أن يدرك أن مفاعيل توزيع سورية آنية، ونوع من سداد الحساب بالنسبة لإيران وروسيا، وليست استثمارات مستقبلية وأبدية، تلك لها حساباتها المختلفة، وطالما أن المفاوضات قد بدأت وصار هو نفسه موضوعاً للتفاوض، فإنها إن لم تبدأ به ستنتهي به حتماً، بوصفه من عناوين الأزمة التي سيجري تفكيكها. ولن يطول الأمر كثيراً في ظل الزخم والحماسة الروسية، للوصول إلى تسوياتٍ غايتها الأساسية الاعتراف بالدور الروسي العالمي، وما عدا ذلك هامشيٌّ وقابل للتفاوض.
المصدر: العربي الجديد
عذراً التعليقات مغلقة