- ثائر الزعزوع
لم يحقق اجتماع أستانة وكما كان متوقعا أيّ تقدم يذكر على الصعيد السياسي، لكنه على الأقل أعاد تذكيرنا بأن ثمة إمكانية للتفاوض بين المتخاصمين، وحتى وإن كان ذلك التفاوض شكلياً ولن يُؤتي أكله، كما تشير إلى ذلك التعقيدات التي سبقت ورافقت اجتماع أستانة خلال يوميه، وما رشح من معلومات عن استحالة الوصول إلى حلّ نهائي، طالما أن الاجتماع لم يضع نصب عينيه التعريف الحقيقي لما يحدث في سوريا، فهو يعتبر ما يحدث حربا، وهذا بحدّ ذاته وضع الاجتماع في خانة الفشل كما وضع وسوف يضع سواه من الاجتماعات واللقاءات في الخانة نفسها.
فتشخيص الحالة، على أسس صحيحة ومعرفة الداء توصل بالضرورة إلى الدواء الناجع، لأن معالجة مشكلة الحرب تختلف تماما عن معالجة ما تقتضيه ثورة شعبية دفعت بالسوريين إلى الصمود طيلة ست سنوات تقريبا، وهم لا يزالون غير مقتنعين بتغيير أجندتهم ومطالبهم.
وإذا كان بيان أستانة بصيغته النهائية قد أعاد الأمور كلها إلى القرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في أواخر عام 2015، فإنه بالمقابل وضع وقف إطلاق النار ركيزة أساسية للتفكير في الحلول المستقبلية الممكنة، وهو ما يتعارض كليا مع كل ما قاله نظام دمشق طيلة السنة الماضية على الأقل في أنه ماض في حلّه العسكري حتى يخمد آخر شرارة من الثورة، ويعيد سوريا إلى وصايته بمعيّة حليفه الإيراني الذي وافق على مضض على فكرة وقف إطلاق النار، وإن كان لم يلتزم بها.
ولا نظن أنه سوف يلتزم بها، طالما أنه سيكون أحد الساهرين على تطبيقها، وهذه مفارقة تقارب الكوميديا السوداء، إذ كيف يمكن لقاتل محترف أن يسهر على تطبيق العدالة.
ولنفترض أن وقفا شاملا لإطلاق النار قد تم التوصل إليه فعلا لا قولا، فسوف يكون نظام دمشق وحلفاؤه أكبر الخاسرين، لأنه بذلك سيمنح الشعب السوري الثائر والرافض لنظام الأسد والاحتلال الإيراني فرصة التقاط أنفاسه ومداواة جراحه، وهذا ما لن يقبله الحليفان وميليشياتهما المتعطشة إلى سفك الدماء وإلى تنفيذ تعليمات خامنئي بحذافيرها.
وسيكون لزاما عليهما الإسراع إلى نقض ذلك الاتفاق كما فعلا في العـديد من المـرات السابقة، وهما قادران على سوق العشرات وربما المئات من الـذرائع وافتعال تفجيرات وعمليات انتحارية هنا وهناك لإعادة إشعال الجبهات.
ولا نظن هنا أن الراعي الروسي سيكون جادا في كلامه وتهديداته بأنه سيعاقب المخالفين، فهو نفسه قد ارتكب العشرات من المجازر في أكثر من منطقة بحجة قصف جماعات إرهابية، وقد اعتبر في وقت سابق وعلى لسان وزير خارجيته سيرجي لافروف منظمة الدفاع المدني السوري أو ما بات يعرف بالقبعات البيضاء منظمة إرهابية. ولا شك في أن فوبيا الإرهاب التي أصابته فجأة ستجعله يهز رأسه موافقا على ما سيحدث من انتهاكات لاحقة.
يدرك الروس، وهم الآن قوات احتلال شأنهم شأن الإيرانيين، أنهم إن كانوا يريدون حقا الوصول إلى حلّ نهائي في سوريا، يَضمن لهم على الأقل نفوذا مستقبليا لأسباب اقتصادية أو عسكرية أو حتى ثقافية، فإن عليهم أن يطلبوا من رأس نظام دمشق أن يحزم حقائبه، وهم يتولون أمر إخراجه سرا في طائرة عسكرية كما فعلوا ذلك من قبل، طالما أنهم مازالوا قادرين على فرض وصايتهم عليه، قبل أن يقرر التخلي عن تلك الوصاية والاحتماء فقط تحت العباءة الإيرانية، وساعتها ستكون الأمور أكثر تعقيدا لأن موسكو قد تخرج خالية الوفاض من ورطة كانت تظن بأنها تحت سيطرتها كليا.
وربما سيكون عليها مواجهة قطعان الميليشيات الطائفية ومحاربتها لاحقا، فتلك الميليشيات تعتبر نفسها الآن، وبفضل الدعم الروسي الهمجي الذي خلف الآلاف من القتلى ودمارا هائلا، باتت صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في سوريا ولا نظن أن موسكو تقبل بأن تكون ثانوية في حدث صنعته.
على الجانب الآخر فإن الثورة السورية، حتى وإن تعبت، مازال مطلبها الأول والأخير رحيل النظام، وبعد ذلك يبدأ الحديث عن دستور وانتخابات وعملية سياسية وليس قبل ذلك بكل تأكيد.
Sorry Comments are closed