كل عام وثورتنا لا تموت

فريق التحرير30 ديسمبر 2016آخر تحديث :
كل عام وثورتنا لا تموت

  • غالية شاهين

يتبادل الجميع، في هذه الأيام، أمنيات العام الجديد، في حالةٍ من الأمل المتأهب للحياة، مع كل بداية ليوم آخر، أو سنة أخرى، أو حتى لساعة أخرى، ما زلنا فيها على قيد الحياة.
ومثل غيري من السوريين، أشعل شموعي على أرواح شهدائنا التي تحرس حلماً لن نتنازل عنه يوماً؛ بأن نعود إلى سوريتنا التي أوقن أنها ستعود، كما أشعل شمعةً لن تنطفئ لثورةٍ استيقظت فينا منذ سنوات ست، ولن تنام.
هي ثورتنا التي لملمت بقايانا، بعد موت معلن أربعين سنة، ثورة كان لها من العمق والحقيقة ما استطاع أن يلتقط خيوط أنفاسنا المهترئة، فيعيد نسجها لتنطلق أغنياتٌ وصيحاتٌ أعلنتنا أحياءً من جديد. وكأنها صرخة ولادة أخرى، سيعرف يوماً من شهدها أنه كان ممن منّت عليهم الحياة بمواكبة حدثٍ، ربما لن يتكرّر، وسيغير وجه العالم.
وعلى الرغم من أن حجم الموت الذي لحق بالسوريين غير مسبوق، وعلى الرغم من اليأس نتيجة محتملة، وصل إليها كثيرون جرّاء ما اعترى ثورتنا من تخبطاتٍ وانحرافات، وعلى الرغم من أن الواقع حالياً على الأرض لا يمت بصلةٍ لما حلم وطالب به من كسروا فضاء الصمت بأصواتهم المجلجلة في الأشهر الأولى، على الرغم من هذا كله وغيره، إلا أنها ما تزال “ثورة”، ولن يستقيم العالم ويتوازن إلا بانتصارها.
لا مكان للغيبيات هنا، لكن الثورات قدر محتوم تواجهه الشعوب المقموعة والمسلوبة الإرادة والحرية، تحييه وتعيشه قدراً لا بد سيأتي، حتى وإن تفاوتت قدراتها على الاحتمال.
اليوم، يرزح السوريون تحت ضغط الدم المسفوك والمدن المدمرة عن بكرة أبيها والعوائل المهجرة إلى المجهول، يرزحون تحت ضغط القهر والعجز واليأس أمام المجازر التي تجري على مرأى العالم كله، وتحت صمته المتواطئ، كما تغشي أعينهم (أي السوريين) الرايات السوداء التي لفت مدناً كاملة، والعقول السوداء التي تحسب نفسها، ويحسبها بعضهم، على الثورة، وهو ما يقود بعضهم إلى إنكار ما آمنوا به يوماً، وبالتالي، إنكار صفة الثورة عن كل ما حدث.
لهؤلاء نقول: انفضوا الغبار ورماد المدن عن ذاكرتكم، وهي وحدها ستقودكم إلى اليقين من جديد. لا ثورة بلا ثمن، ولا ثورة بلا أخطاء، ولا ثورة بلا عقبات ومعوقات وأنفاق مظلمة تمر منها. لا تعطوا السفاح ونظامه ما أراد؛ اليأس والرؤية السوداوية.
عمل النظام الأسدي، منذ اليوم الأول، على جرنا جميعاً إلى موقع لا نريده، ودفع السوريين السلميين غصباً نحو حمل السلاح لمواجهة بطشٍ فاق كل تصور، ثم، وببساطة، أخرج من سجونه أمراء حرب وتكفيريين، عمل على تربيتهم جيداً، ليطلقهم في الوقت المناسب لوجودهم، وقد نفذوا المهمة بنجاحٍ، ساعدهم استمرار القتل والإبادة على تحقيقه.
أرادنا الأسد أن نصل إلى هنا تماماً، بأن نضع أنفسنا وبكامل إرادتنا أمام خيارين، غيّب القهر واليأس خيارات غيرهما؛ الأسد أو الإمارات السلفية المتشدّدة، وما يرافقها من دمار في البنى التحتية للمجتمع وللدولة. أرادنا أن نقول، بكامل إرادتنا، أن ما حصل لم يكن ثورة، وأن ليتها لم تكن.
أراد أن يقتل فينا جميعاً ذاك الحلم، لكننا عصيّون على الموت، كما أن الأحلام لا تموت.
هي ثورةٌ، يا أصدقائي، وستستمر لأنها بدأت، ومعها بدأنا كأحرار قادرين على كسر كل التابوهات.. هي ثورةٌ، يا أعدائي، وستستمر، لأنكم ما زلتم هناك، وما زال في السوريين رمقٌ لن يموت. هي ثورة أيها العالم الأصم الأبكم، وستستمر لتعرّي وجوهكم جميعاً.
هي ثورتي، ثورتنا التي وُلدت منذ ست سنوات طاهرة صادقة قوية. توشّح وجهها بالسواد، وتلطخ جسدها بالدم الممزوج مع وحل المخيمات، لكنها ستخلع عنها يوماً كل هذا.. وستستمر.
كل عام ونحن جميعاً على قيد الأمل، كل عام وأنتِ أجمل ما حدث وسيحدث لنا.. كل عام وأنت ثورتنا التي لن تموت.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل