* عمر إدلبي
يذهب محللون في تشاؤمهم من واقع الصراع العالمي المتجدد مؤخراً إلى أن نذر حرب باردة جديدة بين واشنطن وموسكو تلوح في الأفق، وأن سوريا ستكون مسرحاً لمعاركها بالوكالة، وستكون حلب أسخن ساحاتها بعد أن استوعب الروس والدول الأوروبية وأمريكا مخاطر انفلات نار الحرب الأوكرانية، فهل تشي الوقائع حقاً باشتعال صراع دولي عسكري في ظل تصاعد قرع طبول الحرب في حلب؟
لعل في الحشود العسكرية الروسية البحرية والجوية ما يعزز هذه التكهنات، فالروس نشروا قبالة السواحل السورية كل قطعهم البحرية العسكرية التابعة لأسطول الشمال، ولم يكتفوا بذلك، بل انضمت لها قطع بحرية عسكرية من أسطول البلطيق، ليكون هذا الانتشار هو الأكبر للقوة الروسية البحرية العسكرية منذ نهاية الحرب الباردة، وفق ما أكدته مصادر في حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وفي المقابل، ورغم أن هنري كيسنجر ثعلب السياسة الأمريكية حذر من أن أصوات طبول حرب عالمية ثالثة تسمع من بعيد، وأن “الأصم وحده هو من لا يسمعها”، إلا أن الولايات المتحدة، الطرف الثاني في هذه الحرب المزعومة، لا يبدو أنه يقوم بأي عمل ذي طابع عسكري يسعر من نار هذه الحرب، وتبالغ إدارة أوباما في اطمئنانها وبرودها تجاه هذه التحذيرات، فتذهب حد منح الروس مكافآت متتالية في ملف إدارة الصراع السوري، ولا يتأخر بوتين في فهم هذه المكافآت على طريقته، فيذهب بعيداً في معركة استعادة دور روسيا العسكري، ويمنح قواته شرعية الوجود غير المحدود بمدة زمنية في سوريا، ويعلن وزير دفاعه سيرغي شويغو أن “احتمالات البدء بتسوية سياسية وعودة الشعب السوري إلى حياة هادئة أرجئت إلى أجل غير مسمى”.
هذه التصريحات الروسية التصعيدية واكبتها مواقف مماثلة من بشار الأسد، وارتفعت معها أصوات القادة الأمنيين والعسكريين في نظام الأسد وفي نظام الولي الفقيه في طهران، ومن زعيم مليشيا حزب الله الإرهابي اللبناني، مؤكدة أن خيار الحسم العسكري في سوريا، وفي حلب خصوصاً هو رهانهم الوحيد.
أما ثوار سوريا، فقد قرأوا الرسائل التصعيدية بواقعية، ويبدو أنهم عازمين على قطع الطريق على رهانات أعدائهم، وتحركوا على جبهات حلب بما تيسر من إمكانيات، قد لا تبدو كافية لقلب الطاولة على قوات الأسد وحلفائه، لكنها قادرة بالتأكيد على عرقلة خطط ضرب الثورة في مقتل.
ويبدو أن الثوار جادون في عملياتهم العسكرية لكسر الحصار عن الأحياء الشرقية وطرد قوات الأسد من الأحياء الغربية، وعملياتهم الأخيرة تميزت بتنويع تكتيكاتهم القتالية، وخاصة اعتمادها على المفخخات والالتحام المباشر بالعدو، بهدف تحييد سلاح طيران الأسد وبوتين، وهو تكتيك يمكنهم من تحقيق نجاحات عسكرية، وفعلاً ساهم في تحقيق الثوار والفصائل الإسلامية المشاركة تقدماً ملحوظاً على أحد محاور القتال.
ولكن المعطيات تظهر أن جدية الثوار في عملياتهم هذه لا تقابل بجدية من الدول الداعمة في ضخ مزيد من العتاد والعدة لاستمرار تحقيق الانتصارات، فالدول الداعمة حسب ما هو واضح تبحث عن ضغط عسكري على النظام وحلفائه من أجل تحريك المفاوضات السياسية، وإجبار الأسد وبوتين على الذهاب مجدداً إلى جنيف باستعداد أكبر للتنازلات.
ومن الصعب فعلا أن يحافظ الثوار على زخم انتصاراتهم الأخيرة، ليس لنقص في كفاءاتهم القتالية ولا عزيمتهم، وإنما لأن العمليات العسكرية ترتبط بشكل مباشر بإرادة الداعمين الدوليين والإقليميين وهؤلاء لهم حسابات مختلفة عن حسابات ثوارنا، وكلنا نذكر ما حصل بعد معركة “ملحمة حلب الكبرى” الأولى، ومعارك الساحل المتكررة، ومعركة كسب، وغيرها الكثير من المعارك التي اضطر الثوار فيها للتراجع عن مكاسبهم التي حققوها بالدم والتضحيات تحت ضغط نقص الإمدادات، لذلك يخشى فعلاً من أن معظم هذه المعارك لن تكون أكثر من عمليات استنزاف، بلا تحقيق أهداف كبيرة حاسمة.
جولات كثيرة دموية شهدها صراع الثوار مع قوات الأسد وحلفائه على مدينة حلب، منذ العام 2012 عندما حرر الثوار شطراً من مدينة حلب، ولا يبدو أن هذا الصراع سيحسم لصالح أحد الطرفين بشكل كامل في المدى القريب، فماذا ينتظر هذه المدينة المنكوبة في الأيام القادمة في ظل تصاعد رهانات محور موسكو –طهران– دمشق على معركة حاسمة تسربت أنباء عن تحضيرات روسية مكثفة لإطلاقها؟
الخطير في هذا الواقع المعقد أنه في حال استمر الحال على هذا المنوال حتى بعد مجيء إدارة أمريكية جديدة، فإن هذا يعني بوضوح عودة الحرب الباردة من البوابة السورية، ولا شيء يضمن أن تتحول الحرب الباردة إلى حرب ساخنة، وللأسف ستكون النتائج مزيداً من الدم السوري المسفوك، وإطالة عمر نظام القتل والإجرام في دمشق.
* مدونات الجزيرة
عذراً التعليقات مغلقة