- ماجد كيالي
مع شخصية مثل فلاديمير بوتين، مفعم بداء العظمة واستعراض القوة والتقليل من قيمة الآخر، والاستعداد للقتل “كما حدث في غروزني”، يمكن توقع كل شيء، من حرب محدودة إلى حرب عالمية ثالثة ربما، إذ أنه الحاكم بأمره في روسيا، ووافق مجلس الدوما، مثلاً، على قرار بوتين بشأن تواجد عسكري روسي دائم في الأراضي السورية. علما أن هذا التطور حصل بعد نشر روسيا صواريخ اس 300 وإرسالها بوارج حربية إلى المتوسط، مع تهديدات معلنة بإمكان استهداف الطائرات الأميركية، واعتبار أي اعتداء على جيش النظام السوري اعتداءً على القوات الروسية، وهي كانت قبل أيام استهدفت قافلة مساعدات إنسانية للأمم المتحدة في حلب.
بوتين الذي صاغ روسيا على قياسه، بنى إدراكاته السياسية والعسكرية على اعتبار أن أميركا مجرد بلد ضعيف، أي أنه لم يفهم أن قوة الولايات المتحدة تتجلّى في مجال القوة الناعمة “العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والإعلام ووسائل الاتصال”، أكثر من القوة العسكرية المباشرة، وأن قوتها العسكرية من حيث العدد والنوع ووسائل التوجيه والاتصال أقوى من القوة العسكرية الروسية، ناهيك عن الفارق في القدرات الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية بين البلدين.
لكن لماذا تذهب روسيا للانتحار؟ أو لماذا تقاتل في سوريا؟ في الواقع فإن روسيا تتحرك في الصراع السوري باعتباره بمثابة مفتاح للضغط على الولايات المتحدة أو على النظام الدولي في عدة ملفات أهمها: أولاً، استعادة مكانتها كدولة عظمى في العالم، أو كندّ للولايات المتحدة. ثانياً، تعزيز موقفها في النزاع على أوكرانيا. ثالثاً، التعبير عن الغضب على السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها والتي أدت إلى تدهور أسعار النفط وتكبيد روسيا خسائر فادحة. رابعا، بذل الضغوط على الولايات المتحدة لحملها على وقف الحظر التكنولوجي الذي فرضته على روسيا. خامساً، اعتبارها الحرب ضد الإرهاب في المنطقة جزءاً من الأمن القومي الروسي. سادساً، الرد على نشر الولايات المتحدة شبكة “الدرع الصاروخي” في دول الجوار الروسي. سابعاً، ترويج السلاح إذ تعتبر روسيا ثاني مصدّر للسلاح في العالم بعد الولايات المتحدة.
في المقابل، ورغم اللامبالاة التي تعاملت بها إدارة باراك أوباما مع روسيا، ربما وفق رؤية تتأسس على استدراجها لها وتوريطها في الصراع السوري، إلا أنه من غير المرجح أن تواصل هذا النهج، لأن الأمور باتت تخرج عن سيطرتها. لذا بدا لافتا للانتباه توجه الرئيس الأميركي وبشكل معلن لاعتماد إستراتيجيات جديدة في التعامل مع الصراع السوري، وهو ما تجلى في دعوته خلال اجتماع مجلس الأمن القومي، واجتماع الدول الخمس الكبرى “الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا” الأربعاء الماضي.
وحسب التسريبات الصحافية فإن البيت الأبيض يدرس مروحة من الخيارات: الأول، مراقبة الأجواء والتعامل مع التهديدات المحتملة والمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ. ولا تتوقف عملية فرض منطقة الحظر الجوي عند إسقاط الطائرات التي تحلق من دون إذن بل تعني أيضا تدمير الأنظمة العسكرية للجيش السوري.
الثاني، يشمل فرض مناطق آمنة حيث يمكن لمئات الآلاف من المدنيين البقاء فيها مما سيخفف من موجة تدفق اللاجئين على الدول المجاورة، على أن تكون حمايتها مؤمنة من قبل دول التحالف ودول الناتو.
الثالث، اعتبار أن الحل الأسهل لوقف عمليات القصف هو استهداف القواعد الجوية والمطارات العسكرية للنظام السوري.
الخيار الرابع هو تسليح المعارضة، إذ الممكن والمطروح هو خيار توفير أنظمة مضادة للطائرات لمسلحي المعارضة، وهي أسلحة متطورة وأنظمة صاروخية ستخول لهم إسقاط الطائرات الروسية والمقاتلات السورية. وهناك خيار خامس، ويتمثل في ضرورة تدمير طائرات النظام فقط.
يستنتج من ذلك أن كل الاحتمالات مفتوحة، حتى مع عدم وجود أي جندي أميركي على الأرض، وأن هذا سيكون، ربما، بمثابة ردّ محدود ومحسوب، وكرسالة ذات مغزى من البيت الأبيض، أما ما سيأتي بعد فيصعب التكهن بتداعياته.
- نقلاً عن صحيفة العرب
عذراً التعليقات مغلقة