الإرهاصات التي سبقت التفجير: غياب ضبط الظواهر الدينية وتمهيد الطريق لما جرى في الدويلعة

مدين يحيى25 يونيو 2025آخر تحديث :
الإرهاصات التي سبقت التفجير: غياب ضبط الظواهر الدينية وتمهيد الطريق لما جرى في الدويلعة
مدين يحيى

لم يكن تفجير كنيسة الدويلعة في دمشق اليوم حدثًا معزولًا أو مفاجئًا، بل جاء نتيجة لتراكم مؤشرات وتحولات خطيرة تم تجاهلها، وعلى رأسها غياب تنظيم الظواهر الدينية التي انتشرت في الشارع السوري خلال الأشهر الماضية. هذه التحركات، التي غالبًا ما تمّت تحت شعار “الدعوة إلى الله”، كانت تفتقر إلى أي إشراف مؤسسي أو تحقق من خلفيات أصحابها، مما جعلها بيئة رخوة وهشة، يمكن أن يتسلل من خلالها بعض التكفيريين لتحقيق أهدافهم تحت غطاء التدين والدعوة.

الأمر لم يقتصر على الساحة الميدانية فقط، بل امتد إلى منصات التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر خطابات تكفيرية وتحريضية دون رقابة، وتصنع رموز دينية دون مساءلة. هذا الغياب المزدوج — في الأرض والمنصة — مهّد الطريق لتسلل الفكر المتطرف وتنفيذه على شكل تفجير دموي استهدف رمزًا من رموز التعايش السوري.

إن ما جرى اليوم هو نتيجة مباشرة لهذا الفراغ في الضبط والتنظيم، الذي ترك الساحة مفتوحة أمام تيارات متطرفة استغلت هذا الهامش لنشر خطابها وتجنيد أتباعها، حتى وقع المحظور.

الإرهاصات السابقة

التفجير في كنيسة الدويلعة ليس معزولًا عن سلسلة من الأحداث التي جرت خلال الأشهر الماضية، والتي تُعد مؤشرات على صعود خطاب تكفيري وتنظيمي غير مُعلن:

في حلب قبل ثلاثة أشهر، تم القبض على خلية تكفيرية في حي الهلوك، قيل إنها كانت تُعيد تنظيم شبكات التطرف.

في حمص قبل شهر، أُطلق النار على كنيسة أمز في حادثة طائفية واضحة.

في الشوارع، انتشرت مشاهد لشباب يركضون ويهتفون بأدعية دينية علنية، دون أي إطار تنظيمي أو مؤسسي.

كل هذه الظواهر، حين وُضعت في سياق واحد، كانت تشير إلى تصاعد تعبئة غير مرئية، تستغل حالة الفوضى المجتمعية والدينية.

التردد في مواجهة هذه الظواهر

واحدة من أبرز المعضلات أن الدولة لم تكن غائبة بضعف أمني فقط، بل كانت مترددة في فرض حضورها، خوفًا من الصدام مع المجتمع، أو خشية من إثارة حساسيات دينية أو سياسية.

فقد اعتمدت الدولة في الأشهر الأخيرة سياسة “المراضاة” بدل المواجهة. تتجنب المواجهة المباشرة مع الشباب المتدينين أو الفصائل التي تنتمي إلى مجتمعات ما بعد الثورة، حتى لا تتعرض لاتهامات بأنها ضد الدين أو الثورة. لكن هذا التردد فُسّر على أنه ضعف، فاستغله المتطرفون ليتمدّدوا.

والأمر لا يقتصر على الملف الديني فقط، بل يشمل ملفات أخرى مثل التسويات الأمنية، والتعامل مع الأشخاص المطلوبين، وحتى تطبيق القانون على قضايا مثل منازل المهجرين الذين استوطنها آخرون. فالدولة تفضل في كثير من الأحيان “تبويس الشوارب” ومراضاة هذه الفئات بدلاً من فرض القانون، حفاظًا على الاستقرار الاجتماعي، لكنها بذلك تفتح الباب أمام تراكمات تضعف هيبة الدولة وقدرتها على التنظيم.

غياب السيطرة المزدوج: الأرض والمنصة

خطورة المشهد اليوم لا تكمن فقط فيما يحدث على الأرض، بل أيضًا فيما يُبث على المنصات:

خطابات دعوية بلا ترخيص أو مراجعة.

حسابات ومقاطع تعبئة دينية وتكفيرية.

إعادة إنتاج لغة الجهاد والتخوين من جديد، وبثها عبر المنصات دون أي تدخل.

الدولة أمام مفترق حقيقي

ما جرى هو جرس إنذار كبير. الدولة اليوم أمام خيارين:

إما أن تستغل هذه اللحظة لفرض القانون، وضبط المشهد الديني والاجتماعي والإعلامي بحزم.

أو تستمر في سياسة المهادنة والتردد، فتترك الباب مفتوحًا أمام الانهيار التدريجي.

إن قوة الدولة لا تُقاس فقط بأمن الحدود، بل أيضًا بقدرتها على تنظيم الخطاب، وحماية العيش المشترك، وتحصين المجتمع من التطرف. وهذه اللحظة قد تكون الفرصة الأخيرة لفعل ذلك.

اترك رد

عاجل