إن التأمل في التاريخ السياسي للطائفة العلوية في سوريا يظهر انتقالها من حقبة إلى أخرى، غالباً ما تكون محملة بالإخفاقات والآثار السلبية التي أفرزتها ظروف السلطة والتحولات الاجتماعية والسياسية في البلاد، فمنذ تولي حافظ الأسد الحكم في سبعينيات القرن الماضي، أصبح للطائفة حضور سياسي لافت، لكنه كان على حساب استقلاليتها الاجتماعية والدينية.
الإرث السياسي للطائفة تحت حكم الأسد
تولي الأسد السلطة مثّل نقطة تحول كبرى للطائفة العلوية، التي كانت تعاني سابقاً من التهميش والقمع، لكن بدلاً من أن يكون هذا الصعود مدخلاً لتعزيز مكانة الطائفة ومساهمتها في بناء دولة متماسكة، جاء على حسابها. فقد عمل الأسد على تهميش أي قيادة دينية أو اجتماعية للطائفة، وجعل إدارة شؤونها في قبضته المنفردة، متعاملًا معها كأداة ضمن أدوات نظامه للسيطرة على سوريا.
تحول الطائفة إلى خزان بشري للنظام
مع مرور الوقت، أصبحت الطائفة العلوية خزاناً بشرياً لنظام الأسد، حيث انخرط العديد من أبنائها في الأجهزة العسكرية والأمنية التي استخدمها النظام لفرض سيطرته المطلقة، وبينما اعتقد بعض أبناء الطائفة أن هذه المناصب تمنحهم امتيازات خاصة، غفلوا عن الخطر المزدوج الذي كان يتربص بالطائفة:
1. تشويه الصورة المجتمعية للطائفة: أصبح العلوي، في نظر العديد من السوريين، رمزاً للفساد والقمع بسبب ممارسات النظام، وهذا أدى إلى تعميق الشرخ المجتمعي، حيث باتت الطائفة تُعامل ككتلة متهمة جماعياً بجرائم النظام.
2. استنزاف الطاقات الشابة: أدت عسكرة شباب الطائفة إلى تدمير طاقاتهم وإمكاناتهم، فبدلاً من تحقيق طموحاتهم في مجالات أخرى، أصبحت خدمتهم العسكرية والأمنية أولوية قصوى لضمان استمرار النظام، مما حدّ من فرصهم في التطوّر والنجاح خارج هذا الإطار.
انعكاسات ما بعد سقوط النظام
مع انهيار نظام الأسد، ظهرت تحديات جديدة للطائفة، حيث أصبحت تواجه فراغاً في القيادة الواعية القادرة على إدارة شؤونها بشكل حكيم. بدلاً من ذلك، وقعت تحت سيطرة شخصيات متورطة في الجرائم التي ارتكبها النظام، ممن يرفضون الاعتراف بأفعالهم أو الخضوع للمساءلة.
هذا الوضع أدى إلى تعميق الأزمة، فالطائفة أصبحت تُعتبر، في المخيلة الجماعية للسوريين، متورطة في الجرائم ما لم تثبت العكس، ويبدو أن العديد من أبنائها لم يدركوا بعد حجم الضرر الذي خلفه نظام الأسد باسمها.
ما المطلوب الآن؟
إذا أرادت الطائفة العلوية أن تتجاوز هذا الإرث الثقيل، فإن عليها اتخاذ خطوات حاسمة لترميم علاقتها مع بقية المجتمع السوري، ومن أبرزها:
1. الاعتراف بالماضي والمساءلة: يجب على قيادات الطائفة العمل على تسليم المتورطين في الجرائم ضد الشعب السوري إلى العدالة.
2. إعادة بناء الهوية المجتمعية: تحتاج الطائفة إلى تعزيز قيمها الثقافية والاجتماعية بعيدًا عن العسكرة والارتباط بالنظام.
3. الاندماج في مشروع وطني جامع: يتطلب المستقبل شراكة وطنية تسعى إلى بناء سوريا جديدة تتجاوز الانقسامات الطائفية التي خلفها نظام الأسد.
في النهاية، التحدّي الأكبر أمام الطائفة العلوية هو إدراك أن مستقبلها في سوريا مرهون بقدرتها على المصالحة مع ذاتها ومع الآخرين، وعلى اتخاذ خطوات جريئة تُخرجها من إرث نظام استنزف طاقاتها وسمعتها لعقود طويلة.